في بيان الدليل العقلي على بقاء النفس الإنسانيّة بعد خراب البدن
وأمّا الدليل العقلي على بقاء النفس الإنسانيّة بعد خراب البدن فقد ذكره الحكماء في كتبهم من وجوه عديدة كلّها مبنيّة على كون النفس الإنسانيّة جوهرا مغايرا للبدن ، وأجزائه بسيطا مجرّدا عن المادّة في ذاته ، كما هو المقرّر عندهم ، وهو الحقّ كما سيأتي تحقيقه فيما بعد إن شاء الله العزيز.
وبعضها مع ابتنائه على ذلك ، مبنيّ أيضا على مقدّمة مقرّرة عند الحكماء أيضا وإن كانت غير تامّة عند التحقيق ، هي أنّ كلّ حادث مسبوق بمادّة إلّا أنّا لا نبالي بذكر نبذ من تلك الدلائل وتوضيحها وتلخيصها ، ودفع ما عسى أن يورد عليها وإن كان موجبا للإسهاب والإطناب.
من جملة الدلائل عليه
فنقول : ربّما يمكن الاحتجاج على هذا المطلب ، بأنّ فساد كلّ فاسد إمّا بورود ضدّه عليه ، وهذا غير متصوّر هنا ، لأنّك قد عرفت فيما سبق أن لا ضدّ للجوهر المجرّد عن المادّة ، وإمّا بزوال أحد من أسبابه الأربعة الفاعل والغاية والمادّة والصورة ، وهذا أيضا غير متصوّر هنا ، إذ فاعل النفس هو الأوّل تعالى شأنه وغايتها هو التشبّه به تعالى أو معرفته وذلك لا يتصوّر فيه الزوال والفناء كما عرفته أيضا ، وليس لها مادّة ولا صورة كما هو المفروض. أمّا نفي المادّة فظاهر ، وأمّا نفي الصورة فلأنّ صورة المجرّد ذاته بذاته ، وليس أيضا فيها شرط لوجودها تنتفي هي بانتفائه. وحيث كان كذلك فهي باقية أبدا لا يطرأ عليها الفساد والفناء أصلا وهو المطلوب.