في ذكر برهان أقامه الشيخ في الشفاء على هذا المطلب
ثمّ إنّ الشيخ في الشفاء بعد ما برهن على أنّ النفس الإنسانيّة غير مادّية ، وبيّن حدوثها وكيفيّة انتفاعها بالحواسّ ، برهن على أنّها لا تفسد ولا تموت (١) بموت البدن ، بأنّ كلّ شيء يفسد بفساد شيء آخر ، فهو متعلّق به نوعا من التعلّق ، إذ بفساد المباين من كلّ وجه للشيء لا يفسد الشيء ، وهذا التعلّق لا يخلو عن أن يكون تعلّق المكافئ في الوجود ، أو تعلّق المتأخّر في الوجود ، أو تعلّق المتقدّم في الوجود ، والأقسام ثلاثة ، لا رابع لها.
وعلى الأوّل أي أن يكون تعلّق النفس بالبدن تعلّق المكافئ في الوجود أعني أن لا يكون بينها علّيّة ولا معلوليّة ، بل كانا معلولي علّة ثالثة متكافئين في الوجود ومتضايفين ، فحينئذ إن كان ذلك التكافؤ والتضايف ذاتيّا لهما لا عارضا كما في المتضائفين الحقيقيّين ، كان كلّ واحد منهما مضاف الذات إلى صاحبه ، وحقيقتهما نفس تلك الإضافة ، فلا يكون النفس ولا البدن جوهرين ، لكنّهما جوهران ؛ هذا خلف. وإن كان ذلك أمرا عرضيّا لا ذاتيّا كما في المتضائفين المشهوريين ، كان فساد أحدهما موجبا لبطلان العارض الآخر من الإضافة ، لا لبطلان ذات الآخر من حيث هذا التعلّق ، فلا يلزم من فساد البدن بطلان ذات النفس بل بطلان عارضها من الإضافة.
وعلى الثاني أي أن يكون تعلّق النفس بالبدن ، تعلّق المتأخّر عنه في الوجود أي أن يكون البدن علّة النفس في الوجود والحال أن العلل أربع ، ولا يحتمل كونه علّة غائية لها ، فإمّا أن يكون البدن علّة فاعليّة للنفس ، معطية للوجود لها ، وهذا محال. إذ يستحيل أن تفيد الأعراض والصور القائمة بالموادّ وجود ذات قائمة مجرّدة عن المادّة في ذاتها ، وإمّا
__________________
(١) الشفاء ، الطبيعيات ، الفصل الرابع في أنّ الأنفس الإنسانيّة لا تفسد : ٢٠٢ ، طبع القاهرة.