الفعل.
والبرهان عليه أنّ كلّ مجرّد عن المادّة لا يلحقه عارض غريب ، لما مرّ من أنّ جهة القوّة والاستعداد راجعة إلى أمر هو في ذاته قوّة صرفة تتحصّل بالصور المقوّمة له ، وما هو إلّا الهيولى الجرمانية فيلزم من فرض تجرّد النفس عن المادّة اقترانها بها ؛ هذا خلف ، وستعلم بطلان التناسخ ، فإذن يكون حادثة.
وهذا البرهان غير مبنيّ على أنّ النفوس الإنسانيّة متّحدة بالنوع ، فيكون أولى ممّا قيل : إنّها لو كانت موجودة قبل الأبدان ، لم تكن متكثّرة ولا واحدة.
أمّا الأوّل : فلأنّ الامتياز فيما له حدّ نوعي إمّا بالموادّ أو لعوارضها أو بالفاعل أو بالغاية ، والعلل منحصرة في هذه ، والنفوس صورتها ذاتها لاتّحادها في النوع ، وفاعلها أمر واحد ، وغايتها الاتّصال به والتشبّه له ، فيكون تكثّرها إمّا بالمادة أو بما في حكمها كالأبدان وقد فرضت مفارقة ؛ هذا خلف.
وأمّا الثاني : فلأنّ قبول الكثرة بعد الوحدة من خواصّ المقادير وعوارضها ، والنفس ليست كذلك.
شك وتحقيق
ولك أن تقول : هذا ممّا يلزمك في النفوس ، بعد مفارقتها عن الأبدان ، فما الفارق؟
فنقول : المميّز فيها عند القوم هي الهيئات المكتسبة في الأبدان ، وعندنا بأنحاء الوجودات ، لأنّ تشخّص كلّ وجود بنفس ذاته المتقوّم بجاعله ، وقد علمت أنّ النفوس والصور التي هي مبادئ الفصول للأجسام ليست إلّا أنحاء من وجود الموادّ وما هي كالموادّ ، ولها امور سابقة ، هي مخصّصات المادّة ومعدّات وجود عقيبها (١) ، ولها امور لا حقة هي عوارضها اللازمة لذواتها المتعيّنة بأنفسها. فقد علم أنّ المادّة المشتركة أو الماهيّة النوعية ، تفتقر في تخصّصها وتميّزها بوجود دون وجود إلى لواحق ومميّزات سابقة ، فكذا في تخصّصها بتلك السابقة إلى سابقة اخرى. وأمّا إذا وجد فرد من ماهيّته فانعدام المعدّ المخصّص ، لا يقدح في بقائه إذا لم يكن له ضدّ.
__________________
(١) في المصدر : ومعدّات وجود ما يلحقها.