دفع شبهة الإمام ، مع أنّه يرد على هؤلاء القائلين ، وكذا على القائلين بحدوث النفس قبل البدن مفاسد ، سنشير إليها في مبحث إثبات حدوث النفس بحدوث البدن إن شاء الله تعالى.
وممّا ذكرنا يظهر تقرير تلك الحجج الثلاث على مذهب من قال بحدوث النفس قبل البدن ، وعدم ورود شيء عليها ، وإن كان هذا المذهب أيضا غير صحيح كما سيأتي بيانه.
وكذا يظهر تقريرها على مذهب من قال بحدوث النفس بحدوث البدن ، لكنّه ممّا يرد عليه اعتراض الإمام ظاهرا حتّى نأتي على بيان اندفاعه إن شاء الله تعالى.
ثمّ إنّ ما ذكره الشيخ في الشفاء أوّلا من الدليل على عدم فساد النفس بحدوث البدن ، حيث بنى الكلام على ثلاثة احتمالات وأبطل كلّها ، ظاهر متّضح ، إلّا أنّه يرد على ما ذكره في الاحتمال الثالث من أنّ فساد البدن ، لو كان بفساد النفس ، لكان يجب أن تفسد النفس أوّلا ثم يتبعه فساد البدن ، وهذا باطل ، لأنّ فساد البدن إنّما يكون بسبب يخصّه من تغيّر المزاج والتركيب.
إيراد سؤال على كلام الشيخ في الشفاء مع جوابه
سؤال ينبغي التعرّض له ولجوابه. بيان السؤال : أنّه لو كانت النفس علّة ذاتيّة للبدن كما هو المفروض في ذلك الاحتمال ، فلم لا يجوز أن يكون فساد البدن بسبب فساد النفس؟ حيث إنّ زوال المعلول يكون بزوال علّته ، لا بدّ لنفي ذلك من دليل.
فإن قيل : الدليل عليه كما يشعر به كلام الشيخ ، أنّا نعلم قطعا أنّ فساد البدن إنّما يكون بسبب يخصّه كتغيّر المزاج والتركيب ، لا بسبب آخر أيضا كفساد النفس. والحاصل أنّ زوال المعلول وإن أمكن أن يكون بزوال علّته لكنّه لا ينحصر فيه بل يمكن أن يكون بوجه آخر أيضا والحال فيما نحن فيه كذلك ، لأنّا نعلم قطعا أنّ فساد البدن إنّما يكون بتغيّر المزاج والتركيب ، لا بسبب فساد النفس.
قلنا : هذا الحصر غير مسلّم ، وعلى تقدير تسليمه فتغيّر المزاج والتركيب لعلّه كان سببا قريبا لفساد البدن ، وكان السبب لهذا التغيّر هو فساد النفس ، وكان هو سببا بعيدا لفساد البدن ، فإنّ الحافظ للمزاج والتركيب هو النفس ، والتغيّر فيهما هو زوال ذلك الحفظ ، وهو إنّما يكون بزوال علّته الحافظة أي النفس.