الأفعال الحيوانية ، واشتعالها نارا كالناطقة ، وظاهر أنّ كل ما يتأخّر يصدر عنه مثل ما يصدر عن المقدّم وزيادة ، فجميع هذه القوى كشيء واحد متوجّه من حدّ ما من النقصان إلى حدّ ما من الكمال ، واسم النفس واقع منها على الثلاث الأخيرة ، فهي على اختلاف مراتبها نفس لبدن المولود.
وتبيّن من ذلك أنّ الجامع للأجزاء الغذائية الواقعة في الجنين ، هو نفس الأبوين وهو غير حافظها. والجامع للأجزاء المضافة إليها إلى أن يتمّ البدن وإلى آخر العمر ، والحافظ للمزاج هو نفس المولود ، وقول الشيخ : «إنّهما واحد» بهذا الاعتبار ، وقوله «إنّ الجامع غير الحافظ» بالاعتبار الأوّل.
وبالجملة فالغرض هاهنا على التقديرين أعني أن يكون الجامع والحافظ شيئين أو شيئا واحدا حاصل لأنّ المزاج محتاج إلى شيء آخر هو النفس ، سواء كانت نفس ذلك البدن أو نفسا اخرى. ـ انتهى كلامه رحمهالله.
وقال صدر الأفاضل في الشواهد الربوبيّة : اعلم أنّ الحكماء جعلوا المولّدة والمصوّرة وغيرهما قوى للنفس الإنسانيّة ، والنفس حادثة بعد حدوث المزاج وتمام صور الاعضاء ، واستشكل هذا بعض الناس بأنّ القول باستناد صور الأعضاء إلى المصوّرة قول بحدوث الآلة قبل ذي الآلة وفعلها بنفسها من غير مستعمل إيّاها وهو ممتنع. (١)
فأجيب عنه تارة بعدم تسليم حدوث النفس ـ لجواز قدمها ، كما ذهب إليه بعض الفلاسفة ـ وتارة بحدوثها قبل البدن ، كما هو رأي بعض الملّيّين ، وتارة بعدم جعل المصوّرة من قوى النفس المولود الحيواني ، بل من قوى النفس النباتية المغايرة لها بالذات كما هو رأي البعض ، وتارة بتصييرها من قوى نفس الامّ.
وشيء من هذه الوجوه لا يسمن ولا يغني ، وهكذا اضطرب كلامهم في أنّ الجامع لأجزاء البدن هل هو الحافظ لها أم لا؟ وفي أنّه نفس المولود أم لا؟ فذهب الإمام الرازي إلى أنّ الجامع نفس الأبوين ثمّ يبقى ذلك المزاج في تدبير نفس الأمّ إلى أن يستعدّ لقبول نفس ، ثمّ إنّها تصير بعد حدوثها حافظة له وجامعة لسائر الأجزاء بطريق إيراد الغذاء. ونقل عن الشيخ الرئيس لمّا طالبه بهمنيار بالحجّة على أنّ الجامع للعناصر في بدن الإنسان هو الحافظ لها؟ أنّه قال : «كيف ابرهن على ما ليس».
__________________
(١) الشواهد الربوبية : ١٨٤ وفيه : اعلم أنّ الحكماء حيث جعلوا ....