المزاج محتاج أوّلا إلى شيء يجمع الاسطقسات بالقسر حتّى تجتمع وتلتئم بعد الاجتماع ثمّ تتفاعل فيحدث بعد ذلك المزاج ، وإلى شيء يحفظ الاسطقسات بالقسر مجتمعة ليبقى المزاج موجودا» انّ فعل النفس أوّلا ، إنّما هو جمع الاسطقسات والالتيام بينها ، وأنّه يتبع ذلك حدوث المزاج. وكذا فعلها بالذات حفظ الالتيام بين الاسطقسات وحفظها على الاجتماع ، ويتبعه حفظ المزاج وبقاؤه ، فجمع الاسطقسات وحفظها مجتمعة فعل النفس فعلا أوّليّا وحدوث المزاج وحفظه فعلها أيضا فعلا ثانويّا. وبذلك يصحّ إطلاق أنّها جامعة للمزاج ، إذ هي جامعة لما يقع فيه المزاج وكذلك يستفاد ممّا تقدّم ، ومن قوله : «فالمزاج المستمرّ محتاج إلى جامع وحافظ أحدهما سبب وجوده والثاني سبب بقائه ، وهما متقدّمان على الالتيام المتقدّم على المزاج» أنّ ذلك الشيء الجامع من حيث جمع الأجزاء وقسرها على الالتيام ، وحفظها على الاجتماع مدّة يحصل فيها الامتزاج والالتيام والتفاعل بينها سبب لحدوث أصل المزاج ووجوده ، ومن حيث حفظها على الالتيام بعد ذلك سبب لبقاء المزاج وحفظه ، وأن ليس ذلك السبب هو المزاج لتقدّمه على الالتيام المتقدّم على المزاج ، والمتقدّم على المتقدّم على الشيء متقدّم على ذلك الشيء وعلّة له ، فلا يكون نفسه ، فيستفاد منه أنّ ذلك الجامع من جهة أصل الجمع ، والجمع مدّة يحصل فيها المزاج سبب لوجوده وأنّ الحافظ من جهة حفظ الالتيام بعد ذلك ، سبب لبقائه لا أنّ الأوّل علّة معدّة للثاني علّة معدّة لا تجتمع مع معلولها في الوجود ويجب تغايرهما كما زعمه صدر الأفاضل ، وحيث كان الأوّل سببا للوجود والثاني سببا للبقاء ، فجاز اجتماعهما في الوجود بل اتّحادهما كما في مراتب كون ذلك السبب نفسا نباتيّة أو حيوانيّة أو ناطقة وإن جاز اختلافهما وتغايرهما كما في مرتبة كونه صورة منويّة كالصورة المعدنيّة في حفظ المزاج ، فإنّ حافظ المزاج وسبب بقائه حينئذ هو تلك الصورة وجامعه وسبب وجوده هو نفس الأبوين كما حقّقه رحمهالله. وحيث يستفاد منه أنّ حدوث المزاج وبقاءه أمران متغايران فيمكن أن يدفع بذلك ما يمكن أن يورد على المحقّق الطوسي رحمهالله.