شيء مباين له لم يجز فساده عنه ، إذ جواز فساده عنه فرع جواز كونه فيه ، وحيث امتنع الأوّل امتنع الثاني.
ومن هذه الجهة أيضا لم يجز أن يكون شيء من الأشياء محلّا لكون نفسه فيه ولا محلّا لفساده عنه. أمّا الأوّل فلكون الكائن على هذا التقدير عين ذلك المحلّ ، والحال أنّه يجب أن يكون غيره ، وأمّا الثاني ، فلكون فساد نفسه مبائنا له والشيء لا يجوز أن يكون محلّا لما هو مباين القوام عنه ، وجميع ما ذكرناه ظاهر عند التأمّل الصادق. وإذا تمهّدت هذه المقدّمة فنقول :
شروع في تحرير الجواب
لا يخفى عليك أنّ النفس الإنسانية بالنسبة إلى بدنها ذات جهتين ، أي أنّها من حيث ذاتها وحقيقتها جوهر مفارق مجرّد عن المادّة مباين القوام بالذات للبدن ، ومن جهة تصرّفها في البدن وحفظها لمزاجه وكونها مبدءا قريبا لصورة نوعية للبدن ونحو ذلك ، لها علاقة بالبدن ومقارنة له ونوع مناسبة وارتباط معه.
ولا يخفى أيضا أنّ البدن ولا شيئا من أجزائه ومراتبه ، لا يمكن أن يكون حاملا لإمكان حدوث النفس وفسادها من الجهة الاولى ، ولا ممّا له مدخل في وجودها بوجه من وجوه العلّيّة ، لأنّها من تلك الجهة مباينة الذات والقوام للبدن وأجزائه ومراتبه ، والحال أنّ الكائن الفاسد يجب أن يكون متعلّق القوام بمحلّه ، وكذا يجب أن يكون المعلول ممّا لا يبائن علّته. فبقي أن يكون البدن حاملا لإمكان حدوثها وفسادها من الجهة الثانية أي محلّا لإمكان تعلّق النفس به وفساد ذلك التعلّق عنه. وهذا أيضا ممّا لا يجوز ، لأنّ كلّ مرتبة تفرض من مراتب البدن مع مزاج خاصّ بها أو صورة نوعية خاصّة بها أو شخصيّة ، إذا اعتبرت تلك المرتبة بمادّتها وصورتها ومزاجها جميعا كمرتبة النطفة أو العلقة أو المضغة أو العظام واللحم ، مع موادّها وصورها وأمزجتها ، لا يمكن أن تكون حاملة لإمكان حدوث النفس ، ولا لإمكان فسادها وبيان ذلك أنّ محل إمكان الحدوث والفساد كما مرّ بيانه يجب أن يكون باقيا بعينه في الحالين ، أي في حال الحدوث والفساد ، وكذا في حالات بقاء ذلك الحادث. وهذه المراتب البدنيّة إذا اعتبرت بموادّها وصورها محلّا