الواقع ولا في مرتبة منه ، ثمّ شاء وأوجد الأشياء بحيث كان قبل إيجاده الأشياء زمان مقدّر أو دهر غير متناه كما هو معنى القول بالحدوث الدهري على ما بيّناه في الرسالة الموضوعة لذلك ، وبحيث لم يكن ذلك الدهر الغير المتناهي ظرفا لوجوده تعالى حتّى يلزم كون وجوده تعالى زمانيّا أو دهريّا ، بل ظرفا لصحّة الحكم بأنّه تعالى موجود ، وليس شيء غيره موجودا ، ولا أن يكون وجوده حدّا أوّلا لذلك الدهر ، ويكون وجود غيره حدّا آخر منه ، حتّى يلزم كون غير المتناهي محصورا بين حاصرين.
ثمّ إنّه تعالى شاء ـ بعد إيجاد الأشياء وبقائها زمانا ـ فناءها ، فتفنى هي كما دلّت عليه الآيات والأخبار ، بحيث إنّ الأشياء تفنى بعد وجودها ، ويفرض هناك زمان موجود أو مقدّر ، يصحّ الحكم فيه بأنّه تعالى موجود وليس غيره موجودا.
فيظهر ممّا ذكرنا أنّه بالاعتبار الأوّل يصحّ إطلاق الأوّل عليه تعالى ، حيث كان أوّلا بحسب الزمان بهذا المعنى ، وكذا بالعلّية بالنسبة إلى غيره ، وبالاعتبار الآخر يصحّ إطلاق الآخر عليه بالنسبة إلى غيره ، لكن بالزمان بهذا المعنى فقط ، فيظهر منه أنّ إطلاق الأوّل عليه تعالى يمكن أن يكون بمعنيين ، وأمّا اطلاق الآخر عليه ، فإنّما هو بمعنى واحد ، هو بالزمان بهذا المعنى ، وأنّ إطلاقهما جميعا إنّما هو بالنسبة إلى غيره تعالى لا بالنسبة إلى ذاته ، وكذلك إطلاقهما عليه تعالى باعتبارين ، لا باعتبار واحد ، وبذلك انحلّ الإشكال وظهر تفسير معنى الأوّل والآخر في حقّه تعالى.
وإن أبيت إطلاق التقدّم والتأخّر الزمانيّين بهذا المعنى عليه تعالى فلا مشاحّة في أن يطلق عليه تعالى التقدّم والتأخّر بمعنى آخر غير تلك المعاني الخمسة أو الستّة كالتقدّم والتأخّر بالوجود مثلا بذلك المعنى الذي ذكرنا ، فإنّ الحصر في الخمسة أو الستّة ، ليس حصرا عقليّا حتّى لا يمكن إثبات قسم سابع معها ، بل استقرائي وكأنّه لذلك أثبت بعضهم كصدر الأفاضل قسمين آخرين أيضا مع تلك الأقسام المشهورة ، هما التقدّم بالحقّ والتقدّم بالحقيقة. ومثّل للأوّل بأنّ الحقّ في تجلّيه في أسمائه ومراتب شئونه التي هي أنحاء وجودات الأشياء يتقدّم ويتأخّر بذاته ، لا بشيء آخر ، فلا يتقدّم متقدّم ولا يتأخّر متأخّر إلّا بحقّ لازم. وللثاني بأنّ الجاعل والمجعول إذا كان لكلّ منهما شيئيّة ووجود ، فتقدّم الشيئيّة على الشيئيّة من جهة اتّصافهما بالوجود ، تقدّم بالذات ، سواء كان بالعلّية