فإذا قيل : كيف يقال للذي وجد في وقت ما ممتنع ذاتا ، قالوا إنّ وجوده الثاني ممتنع ، فأجازوا الأوّل وأحالوا الثاني.
واعترضوا على حجّة القائلين بجوازه بأنّ قبول الوجود ثانيا أخصّ من مطلق الوجود ، وقابليّة الأعمّ لا توجب قابليّة الأخصّ كما أنّ الإنسان قابل للحيوانية وليس بقابل للفرسية ، فجاز أن يكون قابلا لمطلق الوجود دون الوجود الثاني.
وأقول : وبيان ذلك ، أنّ الوجود الثاني مقيّد بكونه بعد الوجود الأوّل متخلّلا بينهما عدم ، والممتنع هو هذا المقيّد ، والوجود الأوّل خال عن هذا القيد ، لأنّه وجود أوّل بعد عدم أوّل ، فيكون مطلقا بالنسبة إلى هذا الوجود.
وتحقّق الامتناع في المقيّد لا يستلزم تحقّقه في المطلق ، لما بينهما من المغايرة الذاتيّة ، فإمكان الأوّل لا يستلزم إمكان الثاني لما قلناه من المغايرة ، فصحّ اتّصاف أحدهما بالامتناع والآخر بالإمكان.
قال : اجيب بأنّه إذا ثبت أنّه قابل للوجود من حيث هو يلزم أن يكون قابلا له في جميع الأوقات ، فحينئذ لو فرضناه أنّه لم يكن موجودا أوّلا كانت هذه القابليّة ثابتة دائما ، فوجوده الأوّل إن أفاده زيادة استعداد لقبول وجوده الثاني ، أو لم يفده ، فإن أفاده فقد صار العود أهون ، وإن لم يفده فلا ينقص عمّا هو عليه في الذات من قابليّة الوجود في جميع الأوقات لامتناع الانقلاب.
أقول : لقائل أن يقول إنّ قبوله الوجود الأوّل ما زاده استعداد القبول الثاني ، بل كان مانعا من قبول الوجود الثاني ، لأنّ قبول المطلق يكون هو المانع من قبول المقيّد الذي لا يصحّ اجتماعه معه بناء على امتناع اجتماع المثلين.
قال : بل الحقّ أنّ حصول الوجود الأوّل يفيده زيادة استعداد لاكتسابه معنى يفيد زيادة استعداد لقبول الوجود ثانيا لأنّ القبول إذا حصل للقابل مرّة يصير القابل أقبل له واتّصافه به أسهل ، فإذا اتّصف ثالثا صار أشدّ قبول ، حتى يصير ملكة وهذا ضروري.
أقول : لمانع أن يمنع الضرورة هنا ، فإنّ القابل لا يزداد في الاستعداد بتكرّر القبول إلّا إذا كانت الهويّة القابلة متحقّقة الثبوت بعد عدم المقبول الأوّل ، أمّا إذا انتفت الهويّة بانتفاء المقبول فلا يتحقّق زيادة الاستعداد ، بل ولا يبقى هناك استعداد أصلا خصوصا إذا قيل : إنّ