في تحرير ما ذكره الشيخ في الشفاء أوّلا في هذا المطلب
وأقول وبالله التوفيق : إنّ تحرير ما ذكره الشيخ في الشفاء بحيث يتّضح منه المدّعى أن يقال : من المستبين عند العقل السليم أنّ الشيء والموجود والمحصّل والمثبت وأمثال ذلك أسماء مترادفة على معنى واحد ، وكلّها بديهيّة التصوّر ، غنيّة عن التحديد والتعريف ، وأنّ معنى الموجود لا يفارق الشيء ، بل يلزمه دائما ، لأنّ الشيء يكون إمّا موجودا في الأعيان أو موجودا في الأذهان ، فإنّه إن لم يكن كذا ، لم يكن شيئا ، وأنّ الشيء هو الذي يمكن أن يخبر عنه ، وأنّه لا يكون معدوما مطلقا. نعم قد يكون معدوما في الأعيان وموجودا في الأذهان. وأنّ الخبر دائما ـ كما هو مذهب الشيخ والمنقول عن الفارابي ـ يكون بالحقيقة ، سواء كان إيجابيّا أو سلبيّا ، عن شيء متحقّق في الذهن وعن الموجود في الخارج بالعرض ، يعني أنّ الإخبار مطلقا يكون دائما بالذات عن الموجود في النفس ، من حيث ماهيّته الموجودة في ضمن الوجود الذهني ، لا من حيث تقيّده بوجوده الذهني خاصّة ، حتى يرد أنّه من هذه الحيثية علم ، لا معلوم ، سواء كان الموجود في النفس من تلك الحيثيّة المذكورة مشارا به إلى خارج ، حيث كان هناك خارج وواقع مع قطع النظر عن الوجود في الذهن ، وكان حينئذ الإخبار عن الموجود في الخارج بالعرض ، سواء قلنا بأنّ الموجود في النفس نفس ماهيّة الشيء الخارجي معرّى عن الوجود الخارجي ، كما هو مذهب القائلين بوجود الأشياء في أنفسها في الذهن ومنهم الشيخ في مبحث العلم من الشفاء ، أو قلنا بأنّ الموجود فيها هو شبحه ومثاله ، كما هو مذهب القائلين بوجودها بأشباحها وصورها في الذهن ، أو لم يكن مشارا به إلى خارج حيث لم يكن هناك خارج وواقع ، بل كان وجوده في الذهن بمحض الفرض واختراع النفس.