عصر الخواجه نصير الدّين الطّوسيّ ، وكان معلما بارزا في علوم الفقه والأصول والرّجال والحكمة الإلهيّة ـ فإنّ وجوده في أصفهان اقتاد إليها طلّاب العلم. وتوجّه إليها طلّاب من الهند والقطيف والأحساء ، وغيرها من المناطق الشّيعيّة لحضور درس العالم المذكور. وكان الملّا صدرا (صدر الدّين الشّيرازيّ) وميرفندرسكي ، وجماعة من الأكابر من طلّابه. علما أنّ ميرفندرسكي كان معاصرا للملّا صدرا ، ولم يدرس صدر المتألّهين الحكمة والفلسفة إلّا عند المير محمّد باقر الدّاماد. وكان ميرفندرسكي فيلسوفا مشّاء تابعا لابن سينا. وأفاد من درس العلّامة چلبي بيك في قزوين ، ومن حوزة درس الملّا ميرزا جان الشّيرازيّ المشهور بفاضل باغنوي في فارس. (١).
البحث في معنى المعاد
إنّ أحد المباحث المعضلة في القرآن الكريم والأحاديث والرّوايات المأثورة عن أهل بيت الوحي والرّسالة عليهمالسلام هو بحث المعاد. وينبغي ألّا يرجع الّذين لا حظّ لهم من العلم الإلهيّ (٢) إلى القرآن الكريم في هذه المسألة.
يعتقد جمهور المتكلّمين بالمعاد الجسمانيّ. وينبغي الاهتمام التّامّ بهذا البحث الخطير وهو أنّ الحنابلة لا يقولون ببقاء الرّوح ، ويرون أنّ النّفس الإنسانيّة النّاطقة مادّيّة صرفة ، ويذهبون إلى أنّ القيامة هي هذا العالم المادّيّ المتصرّم المتقضّي ، وينكرون بصراحة
__________________
(١) نسبة إلى (باغ نو) القريبة من شيراز. وهو العالم المعروف بالملّا ميرزا جان. كان من أساتذة العلوم العقليّة في شيراز. درس عنده العلّامة چلبي بيك في شيراز. ذكر أصحاب السّير والتراجم أنّ ميرفندرسكي درس في البداية عند العلّامة چلبي بيك تبريزيّ ، ثمّ نال درجة عالية عند (إشراق) وهو الميرداماد نفسه.
(٢) طلب سيّد العارفين بسرّ الأنبياء وإمام العالم أمير المؤمنين عليهالسلام من أصحابه أن يحاجوا الخوارج بالأحاديث الصّحيحة لا بالقرآن الكريم ، لأنّ القرآن «حمّال ذو وجوه».
ابتعد البعض عن المباحث العميقة للمعاد المذكور في القرآن. ومن المباحث المحيّرة والعويصة مبحث هبوط الإنسان. قال تعالى : (وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ). (البقرة / ٣٦) الخطاب هنا للجميع ، وفي بعض الحالات لآدم وحوّاء.
وردت في كتاب العقل والجهل من كتاب أصول الكافي روايات مأثورة عن حملة الوحي لا يتيسّر إدراكها لشدّة غموضها. جاء في كتاب العقل : أوّل ما خلق الله العقل فقال له : أقبل فأقبل ، وقال له : أدبر فأدبر ... الصّعود والنّزول في العقل (الصّادر الأوّل) وفي الإنسان ، لأنّ طبيعة الانسان بعد الهبوط لها صعود أيضا بالوجود التّبعيّ (إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ). (البقرة / ١٥٦).