كلام صاحب المواقف.
في تحرير الجواب
لكن لا يخفى عليك أنّ الأظهر في الجواب عنه بالنظر إلى ذلك التمهيد على ما بيّناه وبحيث ينحسم به مادّة الشبهة ، سواء اوردت على التقرير الأوّل للسند أو على التقرير الثاني له ، أن يقال إنّه كما جاز في تلك الصور المفروضة المتقدّمة اختلاف الوجود والعدم إمكانا ووجوبا وامتناعا أو اختلاف الذات بحسب اتّصافها بأحدهما من هذه الجهات من غير لزوم انقلاب محال. كذلك يجوز أن يكون إذا قيّد الوجود بكونه مسبوقا بعدم طار على الوجود أو قيّد الممكن بكون وجوده مسبوقا بعدم طار على وجوده الابتدائي ، لا يمكن اتّصاف ذات الممكن به ، لكونه منافيا لإمكانه الذاتي ولو بعد النظر في الدليل. كما مرّ من الأدلّة على امتناع عود المعدوم بعينه ، ولا يصير الممكن بذلك ممتنع الوجود لذاته ، إذ نسبته إلى الوجود مطلقا غير مقيّد بقيد ينافيه كهذا القيد باق بحاله ولم يتغيّر بعد.
وبالجملة فكما جاز أن يكون الوجود المسبوق بالعدم مطلقا سابقا كان أم لاحقا ممّا لا يمكن اتّصاف ذات الواجب لذاته به لكونه منافيا ولم يكن ذلك من الانقلاب المحال في شيء ، لأنّ اقتضاءه للوجود مطلقا غير مقيّد بقيد ينافيه كهذا القيد باق بحاله ، كذلك يجوز أن يكون الوجود المسبوق بالعدم اللاحق المسبوق بالوجود المسبوق بالعدم السابق أعني العود ممّا لا يمكن اتّصاف ذات الممكن لذاته به لكونه منافيا له أيضا ولو بعد التأمّل وأن لا يكون ذلك من الانقلاب من الإمكان الذاتي إلى الامتناع الذاتي ، لأنّ نسبته إلى الوجود مطلقا غير مقيّد بقيد ينافيه ، كالوجود المسبوق بالعدم السابق خاصّة باق بحاله (١) وذلك القيد الذي صار التقييد به منشأ لامتناع اتّصاف ذات الممكن بالمقيّد به وإن كان لازما لماهيّة الممكن المعدوم الكذائي أو معتبرا في مفهوم العود وداخلا في حقيقته ، ولذلك صار العود ممتنعا لذاته. وكذا صار المعدوم الممكن ممتنع الاتّصاف به لذاته وخالف به الوجود المعاد الوجود المبتدأ واختلفا في الامتناع والإمكان حيث امتنع المعاد وأمكن المبتدأ ، إلّا أنّه إذا قلنا إنّ كلّا من الوجود المعاد والوجود الابتدائي وجود خاصّ مغاير
__________________
(١) باقية بحالها (خ ل).