المقدّمة
أمّا المقدّمة ففي ذكر نبذ ممّا يتوقّف عليه بيان المراد ، كشرح معنى المعاد ، وتقسيمه إلى الروحاني والجسماني ، ونقل اختلاف الناس في ذلك ، وسبب اختلافهم فيه ، وتحرير ما دلّ الشرع على ثبوته وينبغي إثباته بالدليل العقلي ، وفي بعض مطالب اخر يناسب تحقيقها قبل الخوض في المقصود.
فنقول : ذكر الفاضل الكامل العارف محمّد بن عليّ بن أبي جمهور الأحساوي في كتابه المسمّى بالمجلي مرآة المنجي كلاما بهذه العبارة :
«المحقّقون من الأوّلين والآخرين على القول بإثبات المعاد ، وإنّما يختلفون في معناه ، وقد نقل عن جماعة من الحكماء الطبيعيّين إنكاره ، وكذا جالينوس أنكره لاعتقاده أنّ النفس هي المزاج ، وأنّه يفنى ، والفاني لا يعاد ، خصوصا أنّه عرض ، والأعراض بعد العدم لا يتصوّر عودها ، فإذا بطل المزاج بفناء البدن ، لا يعود.
نعم ، القائلون بالمعاد اختلفوا في معناه ، فقال بعضهم : إنّه الجسماني فقط ، وهو مذهب جماعة من المتكلّمين بناء على أنّ النّفس جسم ، وآخرون قالوا : إنّه روحاني فقط وهو مذهب جماعة من الحكماء الإلهيّين ، وطائفة قالوا : إنّه جسماني وروحاني وهذا على وجهين : أحدهما أن يكون الروح مجرّدا عن المادّة ، فيعاد الجسم ، ويتعلّق به الروح ، أو يتعلّق بجسم آخر غير الأوّل ، وهو مذهب قليل من أهل الإسلام ، ذهب إليه الغزالي ، والفارابي ، وكلّ من قال بتجرّد النفس من أهل التصوّف ، والثاني أن يكون الروح جسمانيا أو روحانيا ، ويعاد الجسم الأوّل ، ويردّ فيه الروح وهو مذهب كثير من أهل الإسلام والنصارى.