في الإشارة إلى أنّ الإنسان
عبارة عن مجموع النفس والبدن
وأقول وبالله التوفيق : لا يخفى عليك أنّ الإنسان لمّا كان مزاجه على أقرب تعديل ، وخلقه في أحسن تقويم ، واجتمع فيه ما يصدر عن شركائه في أجناسه القريبة والبعيدة كالحيوان والنبات والمعدن ، من حفظ التركيب مدّة معيّنة معتدّا بها ، والخواصّ الطبيعيّة والأفعال النباتيّة والخصائص الحيوانيّة ، وامتاز من بينها أجمع ، بحمله من شرائف الأفعال ونفائس الآثار وكرائم الأعمال ولطائف الإدراكات التي تخصّه كالعقل والفهم والفطنة والفكر والتدبير والتقدير وغير ذلك من الامور المحكمة. ولذا اختصّ من بين شركائه بالتكليف وما يلزمه ويتبعه ، فله بالضرورة مبدأ لذلك هو أشرف المبادئ وأفضلها ، به يتقوّم قوام إنسانيّته وبه يتحقّق كونه حيوانا ناطقا ويصدق ذلك عليه ، ولذلك يسمّى نفسا كأنّه تمام حقيقة الإنسانيّة ، فإنّ اسم النفس يطلق غالبا على تمام حقيقة الشيء وذاته ، كما هو المنقول عن أهل اللغة والشائع في إطلاقات أهل العرف وقد يسمّى روحا أيضا.
وبالجملة من المعلوم أنّه كما أنّ للإنسان بدنا وهيكلا محسوسا مخصوصا مشاهدا بالحسّ والعيان ، مركّبا تركيبا تامّا معدنيّا ونباتيّا وحيوانيّا ، يدلّ عليه البرهان. كما سنشير إليه فيما بعد إن شاء الله تعالى ، كذلك فيه ، أو معه هذا الأمر المختصّ الذي هو ما به التمايز بينه وبين شركائه وهذا أيضا معلوم بالوجدان ، ويدلّ عليه العقل والنقل أيضا.
والتميّز بين الأشياء وإن كان عند التحقيق بالوجودات الخاصّة ، لكن تلك الموجودات إمّا عارضة لماهيّات كما هو رأي فريق من الحكماء ، أو معروضة لها كما هو رأي آخرين منهم ، فلتلك الماهيّات أيضا مدخل في التشخّص والتميّز كما لتلك الوجودات ، فذلك الأمر