في الإشارة إلى معنى معاد الروحاني والجسماني
وحيث عرفت ذلك فاعلم : أنّ الشرع كما نطق بثبوت المعادين جميعا وحكم بكفر منكريهما جميعا ، كذلك يدلّ على كفر منكر واحد منهما فقط أيضا ، لأنّ في ذلك أيضا إنكارا لما نطق به الشرع.
واعلم أيضا أنّا حيث نطلق لفظ المعاد الروحاني ، نريد به عود الروح إلى البدن الأوّل مرّة اخرى بعد مفارقتها عنه ، سواء قيل بأنّ الروح جوهر مجرّد أو مادّي ، جسم أو عرض ، (١) وحيث نطلق المعاد الجسماني نريد به عود البدن الأوّل مرّة اخرى بعد ما كان بطل وفني. وكذلك نقول يجب أن يصدّق بهذين المعادين جميعا ، وأنّ من أنكرهما أو أنكر واحدا منهما فهو منكر للمعاد الضروريّ في الدين.
فعلى هذا فمن قال بأنّ المعاد جسماني فقط ، وصدّق بالمعادين جميعا ، وأراد أنّ المعاد الذي تسمّونه روحانيّا حقّ ، إلّا أنّه جسماني أيضا كمعاد البدن ، بناء على أنّ الروح جسم في اعتقاده ، فهو ليس بمنكر للمعاد ، إلّا أنه اصطلح فسمّى المعاد الروحاني بالجسماني أيضا. وكذلك من قال بأنّه روحاني ، وأراد به عود الروح إلى البدن الأوّل (٢) بعد عوده أيضا فهو ليس بمنكر له أيضا. نعم إن أراد به عود الروح فقط ، سواء قال إنّ الروح جوهر مجرّد أو مادّي ، من غير أن يقول بعود البدن فهو منكر له كما أنّ من قال بعود البدن فقط من غير أن يقول بعود الروح منكر له.
__________________
(١) قوله : «سواء قيل بأن الروح» وفيه ما لا يخفى ، لأنّ الروح إذا كان ماديا ينعدم من رأس. وأيضا : الروح إذا كان عرضا لا يطلق عليه الروح ، لأنّ جهة الباقي من الإنسان مجرّد عن المادة والمادة القابلة للكون والفساد لن يلج الملكوت وهي فاقدة للوجود الأخرى (ج ٥).
(٢) عود الروح إلى البدن الأول تناسخ صريح وليس له في الآخرة من نصيب.