في الإشارة إلى مبنى معاد النفس
أمّا الذين قالوا بالمعاد ، ومع ذلك قالوا بأنّ النفس جسم عنصري بسيط نار أو هواء أو أرض أو ماء ، كما أسند الشيخ في الشفاء القول بذلك إلى بعض القدماء من الحكماء ، أو حرارة غريزية أو برودة غريزية كما أسند فيه القول بهما إلى بعضهم إن عنوا بهما الجسم الحارّ أو الجسم البارد ، لا المعنى الذي هو عرض ، أو جسم عنصري مركّب من العناصر الأربعة ، ومن الغلبة والمحبّة ، كما أسند القول به إلى انباذقلس (١) منهم ، أو دم لطيف كما أسند القول به إلى بعضهم (٢) ، أو جسم بخاري هو بخار الدم ، أو جوهر روحاني سار في البدن كما أسند صدر الأفاضل (٣) القول به إلى جمهور المتكلّمين وعامّة الفقهاء ، وأسنده الفاضل الأحساوي (٤) إلى بعض المسلمين ، (٥) فالذي يلزم على هؤلاء الطوائف مع اختلاف مذاهبهم في النفس ، ويرد عليهم في القول بمعاد النفس لو قالوا بفنائها واضمحلالها ، ما يلزم على القائلين بمعاد البدن على تقدير كلّ مذهب من المذاهب المقولة في الجسم سواء ، فإنّ المفروض أنّ النفس جسم أيضا كالبدن ، فكلّ ما يلزم هناك يلزم هنا.
والحاصل أنّه يلزم عليهم أن يقولوا بإعادة النفس التي هي جسم إلى البدن الذي هو جسم أيضا وكلّ من النفس والبدن عين المبتدأ باعتبار ومثله باعتبار آخر ، والمعاد على كلّ تقدير جسماني مطلقا ولو اصطلح أحد فسمّى معاد النفس روحانيّا حينئذ فلا
__________________
(١) في الشفاء المطبوع بالقاهرة : انباذقلس.
(٢) راجع الشفاء ، الطبيعيّات ، الفنّ السادس : ١٤ ، طبع القاهرة.
(٣) راجع الأسفار.
(٤) راجع المجلي.
(٥) الحاصل أنّ القائل بعدم تجرّد النّفس وفنائها بعد الموت ، ينكر المعاد الّذي هو مذهب أهل البيت ولكن لا يمكن تكفيره وإن كان متوغلا في الجهل التام.