أقول : فيه (١) نظر ، لأنّه لو كان لا يغفل عن الأجزاء الأصليّة (٢) ، لكان عالما بأنّها ما هي. لا نقول (٣) : يجب أن يعلمها بحقيقتها. بل بوجه يمتاز (٤) به عما عداها من سائر الأعضاء وغيرها ، وأكثر الناس لا يعلمونها كذلك ، مع أنّهم يعلمون أنفسهم بوجه تمتاز به عما عداها» انتهى.
وتقرير هذا الوهم : أنّ ذات الإنسان عندنا أي عند بعض المتكلّمين ـ هي الأجزاء الأصليّة الجسمانيّة التي هي أجزاء لبدنه ، ولا نسلّم أنّه في الفرض المذكور أو في شيء من الأحوال يغفل عنه ، فإنّه كما لا يغفل عن ذاته ، كذلك لا يغفل عن تلك الأجزاء ، لكونها عين ذاته. بل الغفلة إنّما تقع عمّا هو غير ذاته من الأجزاء الفضليّة لبدنه ، وعن الأعراض والقوى الحالّة فيها ، فحينئذ نقول : إنّ الشيخ وكذا من ادّعى مغايرة ذات الإنسان لبدنه وأعضائه ، بسبب أنّهم رأوا أنّ الإنسان لا يغفل عن ذاته ويغفل عن تلك الأشياء.
إن أرادوا به أنّ ذات الإنسان أمر آخر سوى الأجزاء الأصليّة أيضا ، وهو مغاير لبدنه وأعضائه الأصليّة والفرعيّة والأعراض الحالّة فيها جميعا ، كما هو مقصودهم ، فلا نسلّم ذلك ، إذ مبنى هذه المغايرة على وقوع الغفلة ، ولا نسلّم وقوع الغفلة عن الأجزاء الأصليّة.
وإن أرادوا به أنّ ذات الإنسان هي الأجزاء الأصليّة من بدنه ، وهي مغايرة للأجزاء الفرعيّة ولقواها وأعراضها ، فهذا مسلّم ، لكنّهم لم يقولوا بذلك.
ومع ذلك فهم إن أرادوا بالنفس التي يقولون بها ، تلك الأجزاء الأصليّة ـ كما هو أيضا عند بعض المتكلّمين ـ حتّى يكون ذات الإنسان ونفسه واحدة ، وعبارة عن تلك الأجزاء الأصليّة ، فهذا أيضا مسلّم ، إلّا أنّ الشيخ ونظراءه من الحكماء لم يقولوا بذلك. وإن أرادوا بالنفس أمرا آخر سوى تلك الأجزاء ، وأنّها مغايرة لتلك الأجزاء أيضا ، كما هو مقصودهم ؛ فلم يلزم ذلك من التنبيه المذكور كما عرفت. وهذا هو تقرير هذا الوهم.
وأمّا تقرير دفعه ، فبأن يقال : إنّ ما ادّعاه المتوهّم من أنّ الإنسان لا يغفل في شيء من الأحوال عن الأجزاء الأصليّة من بدنه كما لا يغفل عن ذاته ، باطل من وجوه :
أمّا أوّلا ، فلما ذكره الشارح القوشجي ، من أنّه لو كان كذلك لوجب أن يكون عالما
__________________
(١) في المصدر : وفيه نظر ...
(٢) عن أجزائه ...
(٣) لا تقول ...
(٤) يمتاز عمّا عداها.