إدراك تلك الأجزاء الأصليّة المتفرّقة ، كالغفلة عن الأجزاء الفضليّة وعن الأعضاء ، فإنّ السبب الذي فرض كونه سبب الغفلة مشترك ، والفرق تحكّم.
وأمّا ثالثا ، فلأنّ تلك الأجزاء الأصلية لكونها مادّية وجسمانيّة ، من شأنها أن تدرك بالحواسّ ، ولا أقلّ من إدراكها بالحواسّ الباطنة كالتخيّل ، والحال أنّ المفروض في الفرض المذكور للتنبيه المسطور أن لا استعمال لحاسّة من الحواسّ أصلا في إدراك شيء من الأشياء مطلقا ، وأنّه مع ذلك لا يغفل الإنسان عن ذاته ، فكيف تكون الأجزاء مدركة أو عين ذاته مع ذلك الفرض؟ فتدبّر.
وممّا ذكرنا يظهر وجه اندفاع بعض أوهام أخر ربّما يتراءى ورودها على هذا المقام.
منها : أنّه يمكن أن يكون ذات الإنسان ونفسه التي لا يغفل عنها في شيء من الأحوال جسما داخلا في بدنه وفي خلل بدنه وفرجه ، أو خارجا عنه مجاورا له ، إمّا جسما بسيطا عنصريّا نارا أو هواء أو أرضا أو ماء ، وإمّا جسما بخاريّا ، وإمّا دما أو نحو ذلك ، كما ذهب إلى كلّ من ذلك طائفة من القدماء على ما سيجيء ذكره في ذكر عدّ المذاهب في النفس.
وبيان دفع هذا الوهم : أنّ تلك الأجسام أيضا في الفرض المذكور ، إمّا مفروضة التفرّق ، أو ما يمكن فرض تفرّقها. وأيضا هي ما من شأنها أن تكون مدركة بالحواسّ ، ولا أقلّ من إدراكها بالحواسّ والمشاعر الباطنة ، والمفروض وقوع الغفلة عن المتفرّقات وعدم استعمال الحواسّ. فتدبّر.
ومنه يظهر أنّه لا يمكن ذهاب الوهم إلى أنّ ذات الإنسان هو الهواء الطلق المفروض في الفرض المذكور ، لكون المفروض أنّه ظرف لوجود الإنسان المتوهّم المتأمّل المفروض ، ومحيط به ، وظرف وجود الشيء لا يكون عين ذاته ، مع أنّ ذلك الهواء الطلق أيضا هو مما يمكن فرض تفرّقه ، ومن شأنه أن يدرك بالحواسّ ، ولو بالحواسّ الباطنة ، ومع أنّه لم يذهب وهم أحد إلى كونه ذات الإنسان ونفسه.