ومنها أنّه يمكن أن يكون ذات الإنسان ونفسه جسما بسيطا لطيفا سماويّا داخلا في البدن ، أو مجاورا له ، [و] هو لكونه لطيفا لا يمكن أن يدرك بالحواسّ ، ولكونه سماويّا غير قابل للتفرّق ، لا يمكن فرض تفرّقه.
ووجه دفعه ، أنّه لا خفاء في أنّه لكونه جسما مادّيا يمكن إدراكه بالحواسّ الباطنة ، والمفروض عدم استعمالها ، فكيف يمكن أن يدرك في الفرض المذكور ، فيعلم منه أنّ ذات الإنسان المدركة البتّة في الفرض المذكور غير هذا الجرم السماويّ أيضا ، كما أنّها غير تلك الأشياء المذكورة ، فتبصّر.
فان قلت : فعلى ما قرّرت التنبيه المذكور الذي قرّره الشيخ لإثبات وجود النفس للإنسان وإثبات إنّيّتها ، يكون مفاده أنّ ذات الإنسان ـ أي نفسه ـ مدركة بذاتها له بذاته ثابتة له ، ومغايرة لبدنه ولجسده الذي هو الجسم ذو الأبعاد الثلاثة ، ولأعضائه الظاهرة والباطنة ، وكذا لقواه وحواسّه الظاهرة والباطنة ، وللأعراض الحالّة فيه ، كمزاجه وغيره ، ولما هو خارج عن ذلك أجمع.
وبالجملة أنّها موجودة بذاتها ، مغايرة لما هو مادّيّ أو مدرك بالحواسّ الظاهرة أو الباطنة. ففي هذا التنبيه على هذا التقرير إشارة إلى كون النفس الإنسانيّة جوهرا مجرّدا عن المادّة أيضا ، إذ الشيء الموجود القائم بذاته ، المغاير للجسم وأجزائه وأعراضه ولكلّ ما يمكن أن يدرك بالحواسّ ، لا يكون إلّا جوهرا قائما بذاته ، مجرّدا عن المادّة ، ولذلك جعل بعضهم عدم غفلة الإنسان عن إدراك ذاته لذاته ونفسه في جميع الأحوال ، وغفلته عن بدنه وأعضائه والأشياء الخارجة في بعض الأحوال ، دليلا على كون نفسه الناطقة جوهرا مجرّدا عن المادّة ، حتّى إنّ الفاضل الأحساويّ (١) ذكر من جملة أدلّة القائلين بتجرّد النفس الإنسانيّة الناطقة عليه ، هذا الدليل ، وخصّه بالذكر ، وعدّه أقوى دلائلهم على ذلك.
وحتّى أنّ صدر الأفاضل جعل ما في الإشارات حجّتين على ذلك ؛ إحداهما من
__________________
(١) راجع المجلي / ٤٩٣ ، للأحسائيّ ، الطبعة الحجريّة.