جهة مشاهدة حال النائم والسكران ، والاخرى من جهة مشاهدة حال الإنسان في الفرض المذكور للتنبيه المزبور.
وبالجملة ، ففيما ذكره الشيخ إشارة ـ مع إثبات وجود النفس الإنسانيّة وإنّيّتها ـ إلى تحقيق حقيقتها من حيث كونها جوهرا مجرّدا عن المادّة. فما باله في أن أقام الدليل فيما بعد في الفصول الآتية على جوهريّتها وتجرّدها ، ولم يذكر هنا ما يدلّ على أنّ في هذا التنبيه إشارة إلى ذلك ، كما ذكر أنّ فيه إشارة إلى إثبات إنّيّتها.
قلت : لعلّ وجه ما فعله ، أنّه على تقدير دلالة التنبيه المذكور على كونها جوهرا مجرّدا عن المادّة ، فلا يخفى أنّها دلالة إجماليّة ، وإشارة غير تفصيليّة على ذلك ، فلذلك لم يكتف بها ، وذكر الدليل عليه فيما بعد بوجوه تفصيليّة ، لأنّه أراد الدلالة التفصيليّة عليه.
على أنّه يمكن أن يكون نظره في ذلك إلى أنّ التنبيه المذكور ، وإن كان فيه إشارة إلى ذلك ، إلّا أنّه ليست هذه الإشارة إشارة مقصودة. فإنّ الغرض من جوهريّة النفس وتجرّدها ، جوهريّتها وتجرّدها على الوجه الذي به يكون مختصّا بالإنسان ، ولا يجري في غيره من أفراد الحيوان البتّة ، يدلّ على ذلك أنّهم قالوا :
إنّ النّفس الناطقة الإنسانيّة جوهر مجرّد عن المادّة ، وأنّ النّفس الحيوانيّة وكذا النباتيّة منطبعة في المادّة قائمة بها ، وهنا ليس الأمر كذلك ، فإنّ عدم الغفلة عن الذات والغفلة عمّا سواها الذي يمكن أن يكون ، دليل على الجوهريّة. والتجرّد لا يخفى أنّه كما أنّه ثابت في الإنسان لا سبيل إلى انكاره فيه ، كذلك لا دليل على نفيه في غيره من الحيوانات ، وإن لم يكن دليل على ثبوته بالفعل فيها ، وبالجملة لا دليل على ثبوت ذلك ولا على انتفائه في غير الإنسان من الحيوان ، بل هو في غيره بحسب الاحتمال العقليّ محتمل أن يكون وأن لا يكون.
ولا يخفى أيضا أنّ هذا المعنى ـ على هذا ـ لا يكون مختصّا جزما بالإنسان ، وإنّما يكون هذا الاختصاص جزما ، إذا ثبت بدليل أو وجه تنبيهيّ وجدانيّ أنّه لا يجري في