غيره ، والمقدّر عدمه. فلذلك ترى الشيخ في الكتابين ، ولا سيّما في «الشفاء» ، أنّه أثبت أوّلا إنّيّة النفس الناطقة ومغايرته للبدن وأعضائه وأجزائه ، ثمّ أثبت بعد ذلك كونها جوهرا مجرّدا عن المادّة ، على الوجه الذي يكون مختصّا بالإنسان ولا يجري في غيره البتّة ، لكونه هو المقصود. حيث أثبت خواصّ أفعال وأحوال للإنسان لا تجري تلك في غيره البتّة ، كالإدراكات الكليّة ونحوها. ثمّ استدلّ بها على تجرّدها ، كما سيجيء بيانه فيما بعد إن شاء الله تعالى.
وقد تبعه المحقّق الطوسيّ (ره) في التّجريد.
ومن هنا يظهر أنّ ما فعله بعضهم ، حيث جعل التنبيه المذكور تنبيها ، بل دليلا على تجرّد النفس الإنسانيّة ، مبنيّ إمّا على أنّه لم يكن في نظره إثبات تجرّدها على وجه يكون مختصّا بالإنسان ، ولا يجري في غيره مع كونه مقصودا. وإمّا مبنيّ على أنّه كان في نظره ذلك ، إلّا أنّه اكتفى في الاختصاص المذكور العلم بحصوله في الإنسان وعدم العلم به في غيره ، أي كونه ظاهر الاختصاص بالإنسان. حيث إنّ إدراك الذات والغفلة عمّا سواها معلوم في الإنسان ، وغير معلوم في غيره ، وإن كان محتملا ، وفي الوجهين ما ترى.
ويظهر مما ذكرنا أنّ ما فعله بعضهم من جعله معنى لا خفاء في اشتراكه بين الإنسان وغيره من أفراد الحيوان ، بل النبات أيضا ، لكون ذاته باقية بعينها في جميع الأحوال ، أي أحوال وجوده ، مع كون بدنه وجسمه وأعضائه وأعراضه متبدّلة ، دليلا على تجرّد النفس الناطقة الإنسانيّة ، بعيد من الاستقامة جدّا. وإن اشتهيت الاطّلاع على تفصيل المقام ، فاستمع لما يتلى عليك من الكلام.
فنقول : إنّ صدر الأفاضل (١) في مقام إقامة الحجج على أنّ النفس الإنسانيّة جوهر قائم بذاته ـ بعد ما أقام الحجج عليه وذكر الحجّة عليه أوّلا هكذا : «إنّ إدراك الشيء لمّا كان عبارة عن حصول صورته للمدرك ، فكلّ من أدرك ذاته يجب أن يكون مفارقا عن المحلّ ، إذ لو كان في محلّ ، لكان صورة ذاته غير حاصلة لذاته بل لمحلّه ، لأنّ وجود الحالّ لا
__________________
(١) الشواهد الربوبيّة / ٢١١.