في حشر الحيوانات ، كقوله تعالى : (وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ) (١) ، وقوله تعالى : (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ) (٢) وأمثال ذلك من الآيات والأخبار غير ناصّة في ذلك ، كما سيأتي بيانه في موضعه إن شاء الله تعالى.
وعلى تقدير القول بحشرها أيضا ، فيمكن تصحيحه بوجه آخر ، من غير توقّف على وجود نفس مجرّدة عن المادّة لها ، تكون هي باقية بعد خراب أبدانها ، وسيأتي بيان ذلك في موضعه إن شاء الله تعالى العزيز ، فانتظر.
ثمّ إنّ ما ذكره صدر الأفاضل في تحقيق المقام بقوله (٣) : وأنت بعد تذكّرك ما أسلفناه ـ الى آخره ـ مبنيّ أيضا على القول بتفاوت مراتب التجرّد ، وأنّ النفس الحيوانيّة أيضا أي نفسها المتخيّلة مجرّدة نوع تجرّد ، أي أنّها مجرّدة من عالم الحسّ فقط دون عالم المثال ، وأنّ النفس الإنسانيّة ـ لكونها عاقلة ـ مجرّدة عن العالمين جميعا.
وفيه أنّ هذا التجرّد ليس هو مقصود القوم ممّا أقاموا الدليل عليه ، بل إنّما مقصودهم منه التجرّد الذي حكموا به في النفس الإنسانيّة ، أي التجرّد عن العالمين ، وأين هذا من ذاك؟ نعم لا مشاحّة في الاصطلاح لو اصطلح أحد وسمّى النفس المتخيّلة الحيوانيّة مجرّدة بذلك المعنى.
وقوله (٣) «على أنّ هذه (٥) البراهين تقتضي (٦) تجرّد النفس عن البدن المحسوس وعوارضه فقط» ـ إلى آخره ـ.
فيه أنّه إن كان المشار إليه بكلمة الإشارة ، ما ذكره من الحجّة الأخيرة وما في معناها ، ممّا يدلّ على كون الذات والنفس مغايرة للبدن المحسوس وعوارضه فقط ، فقد عرفت أنّ مقتضاه ، وإن كان مشتركا بين الإنسان وغيره ، لكنّه لا يدلّ على التجرّد بالمعنى
__________________
(١) التكوير / ٥.
(٢) الأنعام / ٣٨.
(٣) الشواهد الربوبيّة / ٢١٣.
(٥) في المصدر : بعض هذه ...
(٦) يقتضي.