المراد.
وإن كان المشار إليه هو ما ذكره من الحجّتين اللتين استنبطهما من كلام الشيخ في إنّيّة النفس ، كما يشعر به قوله : «مما له قوّة باطنة تشعر بذاتها» فقد عرفت أنّ تينك الحجّتين ـ على تقدير دلالتهما على تجرّد النفس ـ إنّما تدلّان عليه في الإنسان خاصّة دون غيره من سائر الحيوان ، لأنّ حصول تلك الحالة المفروضة في تينك الحجّتين غير معلوم في غير الإنسان ، فليس مقتضاهما ممّا يقع فيه الاشتراك لسائر الحيوان ممّا له قوّة باطنة يشعر بذاته ، وإن كان المشار إليه ما ذكره من الحجّة المبنيّة على إدراك النفس للمعقولات الكلّيّة ، فظاهر أنّها ، وإن كانت تدلّ على التجرّد بالمعنى المراد ، إلّا أنّ مقتضاها ليس بمشترك بين الإنسان وغيره أصلا ، إذ إدراك الكلّيّ إنّما هو مختصّ بالإنسان وحده.
وحينئذ فلم يبق من البراهين التي ذكرها إلا الحجّة الاولى التي ذكرها.
ولا يخفى على المتأمّل ، أنّها ـ كما قرّرها ـ لا دلالة فيها على شيء ، حتّى ننظر في أنّ مقتضاها هل هو مشترك بين الإنسان وغيره أم لا؟
وبيان ذلك أنّ قوله فيها : «إنّ إدراك الشيء لمّا كان عبارة عن حصول صورة للمدرك» مبنيّ على كون علم الإنسان بذاته علما حصوليّا أيضا ، وهو ممنوع ، بل لا معنى له ، لأنّ حصول صورة الشيء في الشيء نفسه ممّا لا وجه له ، سواء أريد بصورته شبحه ومثاله أو حقيقته ، على اختلاف المذهبين في ذلك. بل إنّ علم الشيء بذاته علم حضوريّ منشؤه كون المعلوم عين العالم بالذات ، كما هو المقرّر بينهم.
وعلى تقدير تسليم كونه حصوليّا ، فقوله : «فكلّ من أدرك ذاته يجب أن يكون مفارقا عن المحلّ ـ إلى آخره ـ ممنوع ، لجواز أن يكون مادّيا ، وأن يكون صورة ذاته حاصلة له أوّلا وبالذات ، ولمحلّه أيضا ثانيا وبالعرض ، فلم يلزم منه أن لا يكون تلك الصورة حاصلة إلّا لمحلّه ، حتّى يكون خلاف المفروض ،
وهذا ، كما أنّه على تقدير كون هذا العلم حضوريّا كما هو المقرّر بينهم ، وكون العالم