مادّيا ، إنّما يلزم كون هذا العلم حاصلا لذات العالم نفسه ، لحصول منشأه له وهو الاتّحاد بينها ، دون محلّه أصلا لعدم الاتّحاد بينهما. فتبصّر.
وقوله : «وبعضها مما يقتضي تجرّد النفس عن الكونين» كأنّه أراد به البراهين التي مبناها على إدراك النفس للكلّيّات المجرّدة عن الموادّ مطلقا ، حيث إنّها تدلّ على تجرّدها عن الكونين ، أي عالم الحسّ والمثال جميعا. إلّا أنّ قوله : «فهي مختصّة بالإنسان العارف» يدلّ على أنّ هذه البراهين تدلّ على تجرّد النفس الإنسانيّة التي هي في مرتبة العقل بالفعل والعقل المستفاد خاصّة ، بالنسبة إلى كلّ المعقولات أو جلّها ، وأنت ستعرف فيما بعد بيان تلك البراهين على وجه به تدلّ على تجرّد النفس الإنسانيّة مطلقا ، سواء كانت للإنسان العارف أم لغيره. فانتظر.
وحيث انتهى الكلام إلى هذا المقام ، وخرجنا بالإطناب عن موضوع الباب ، فلنكتف بهذا القدر فى هذا المرام ، ولنعد إلى ما كنّا بصدده ، فنقول : إنّك بعد ما أحطت خبرا بتفاصيل ما نقلنا عن الشيخ في «الشفاء» في هذا الفصل ، وما ذكرناه في تحريره ، يظهر لك. إلى هنا ما عقدنا الباب لأجله ، وهو إثبات النفس وإنّيّتها وتحديدها من حيث هي نفس ، وأنّها ليست بجسم ولا مزاج ولا عرض ، وأنّها غير البدن وأعضائه وأجزائه وحواسّه وقواه وأعراضه ، فلنتكلّم في بعض مطالب اخرى ممّا نرومه هنا ، فنقول :