والأقوال لو حملت على ظواهرها وقيل بها في النفس الناطقة الإنسانية ، كانت هي في البطلان بمرتبة يستغرب من الحكماء الذين هم من أهل العقل ، وكذا من العلماء الذين هم من أهل العلم ، ذهابهم إليها والقول بها فيها.
في تأويل بعض تلك المذاهب المنقولة
نعم لو كان مبناها على الرمز ، كما كان يقع ذلك في كلام الأقدمين كثيرا ، لربّما أمكن تأويل بعضها ، مثل أنّ من جعل النفس جوهرا غير جسم محرّكا لذاته ، ومتحرّكا بذاته ، لو أراد بها كونها جوهرا مجرّدا عن المادّة في ذاته ، متحرّكا من ذاته حركة رويّة وجولان ، إمّا إلى المبادي العالية فيستكمل ويستفيد ويستنير ، وإمّا إلى البدن فيفيد ويكمل وينير ، وأنّ شأنه إمّا إفادة الكمال أو استفادته ـ كما نقلنا ذلك في مسألة بقاء النفس عن أفلاطون وشيعته ـ لربّما أمكن أن يكون ذلك وجه صحة ، ولم يبعد القول به في النفس الناطقة الإنسانيّة ، فإنّه لا مخالفة فيه لما ذهب إليه المحقّقون من الحكماء ، ولا لما اقتضاه الدليل.
وكذلك القول بأنّها نار أو هواء أو جسم بخاريّ أو حرارة غريزيّة أو برودة يستنشق بها أو دم ، كما ذهب إلى كلّ واحد منها فريق ، لو أريد به الروح الحيوانيّ الذي يقولون إنّه غير النفس الإنسانيّة وغير النفس الحيوانيّة والنباتيّة ، بل إنّه حامل القوى الحيوانيّة والمطيّة الأولى للقوى النفسانيّة البدنيّة ، وما به الارتباط بين النفس والبدن. ويقولون إنّه جس لطيف نافذ في المنافذ ، روحانيّ كالجرم السماويّ ، ونسبته إلى لطافة الأخلاط وبخاريّتها ، ولا سيّما إلى الدم ، نسبة الأعضاء إلى كثافة الأخلاط ، وأوّل معدن لتولّد هذا الرّوح ، وأوّل عضو يحسره ويمنعه عن التفرّق ، هو القلب. ثمّ ما بعده كالدماغ والكبد ؛ ولذلك كان أوّل تعلّق النفس بالقلب. ويقولون إنّه له نسبة إلى الهواء لرطوبته ولطافته ، ولسهولة حركته إلى المجاري والمنافذ لكونه حاملا للقوى ، والقوى لكونها من الأعراض لا يتصوّر تنقّلها من دون حامل لها ، ولأنّ الهواء المستنشق إذا اختلط بذلك الروح ، يصير عوض ما تحلّل منه. وكذا له نسبة إلى النار لصفائه وحرارته ، وإلى الحرارة لحرارته