فيه الحواسّ معطّلة ، وكان النوم عبارة عن رجوع الحرارة الغريزيّة إلى الباطن طلبا للإنضاج ، يغور الروح الحامل للقوى والحرارة الغريزيّة المنبثّ في الأعضاء إلى داخل ، فيبرّد الظاهر.
ولذلك يحوج النوم إلى دثار أكثر مما فى اليقظة ، حيث إنّه يلزم من توجّه الروح والدم والحرارة الغريزيّة ، إمّا إلى داخل وإمّا إلى خارج ، سخونة ما تحرّكت إليه ، وبرودة ما تحرّكت منه.
ولذلك أيضا إذا لم يكن خلاء في المعدة بل صادف النوم خلطا كثيرا مستعدّا لأن يصير دما جيّدا بالنضح ، كان إفراط النوم مرطّبا ومبرّدا. أمّا الترطيب ، فلما يلزم ذلك من كثرة الرطوبات بسبب قلّة تحلّل الفضلات ، التي من شأنها أن تتحلّل فى اليقظة ؛ ولذلك يحدث أيضا بلادة القوّة النفسانيّة. وأمّا التبريد ، لأنّ الأرطب ممّا ينبغي يجعل البدن أبرد ممّا ينبغي ، بسبب حقن الحرارة وحبسها. وإذا وجد النوم خلاء البدن ، كان مبرّدا ومجفّفا بانحلال الروح بسبب تحلّل الرطوبة الغريزيّة ، فيتبعه تحلّل الروح والحرارة الغريزيّة.
وإذا وجد غذاء مستعدّا للهضم ـ كالكيلوس مثلا ـ هضمه ، أو خلطا مستعدّا للنضج ـ كالبلغم الفجّ ـ نضّجه ، فيسخن لا محالة. وإن وجد خلطا أو غذاء عاصيا على الهضم والنضج ، كالبلغم الكثير الفجاجة ، الغير المستعدّ للاستحالة إلى الدمويّة ، وكالغذاء الردي الكيلوس والكيموس ، كالسمك الغليظ ، نشره ، أي نشر النوم ذلك بسبب تحريك الحرارة إيّاه ، فيبرّد البدن لا محالة.
كما أنّ السّهر المفرط يضعّف الدماغ ويفسد مزاجه إلى ضرب من اليبوسة ، وذلك لكثرة تحلّل الرطوبات بالحرارة التي تكون في الظاهر ، بسبب تحرّك الأرواح إلى جهته ، وبسبب حركة الحواسّ في إدراكها. وربّما يؤدّي إلى اختلاط العقل بسبب إفراط سوء المزاج ، لأنّ التصرّفات العقليّة تحتاج إلى ضرب من الاعتدال.
وكذلك السهر المفرط يسيء الهضم بتحليل القوّة لتحلّل الرطوبة الغريزيّة والحرارة. إلى غير ذلك من العلامات التي سببها حركة الروح ، إمّا إلى داخل ، كما فى النوم ، وإمّا الى