الإنسان ، وكذا النفس الحيوانيّة إذا فارقت بدن الحيوان ، لا يبقى البدن الإنسانيّ والبدن الحيوانيّ على طبيعته الأوّليّة التي كان هو بها موضوعا للنفسين ، وعلى مزاجه وتركيبه الأوّلين ؛ بل يفسد ويتغيّر ويتلاشى أعضاؤه ويتفرّق أجزاءه ويبطل نوعه. وكذلك النفس النباتيّة إذا فارقت جسم النبات ، لا يبقى ذلك الجسم على طبيعته الأوّليّة ونوعه السابق الذي به كان موضوعا للنفس النباتيّة ، فإنّ الشّجر المقطوع ـ مثلا ـ وإن بقي بصورته وهيئته وتركيبه في الظاهر ، إلّا أنّه في الحقيقة ليس بشجر ، بل هو خشب حدثت فيه صورة جماديّة ، ولذلك ليس من شأنه أن تفاض عليه نفس تارة أخرى.
وبالجملة ، فالنامي من حيث أخذه نفسا وفصلا لذلك الجسم من حيث أخذه جنسا ، يلزم من زواله وانعدامه انعدام تلك الحصّة الجنسيّة التي تقوّمها وتحصّلها به. وكذلك من حيث أخذه صورة للجسم من حيث أخذه مادّة ، يلزم من انعدامه انعدام تلك المادّة المتقوّمة بتلك الصورة ، وعدم بقائها على الطبيعة السابقة. وعلى التقديرين ، فيلزم من مفارقة النفس النباتيّة عن جسم النبات بطلان نوعه. وكذلك من المعلوم المبيّن أنّه عند فيضان النفس النباتيّة والحيوانيّة والإنسانيّة وتواردها على المادّة المنويّة البدنيّة الإنسانيّة في الرحم ، سواء قلنا : بأنّها نفوس متعدّدة كما قد يظنّ ، أو بأنّها ذات واحدة تتزايد كمالاتها كما هو الحقّ ، وسيأتي تحقيقه بتوارد الصور المضغيّة والعقليّة والعظميّة واللحميّة على تلك المادة ؛ فلا تبقى تلك المادّة على طبيعتها ، بل تخلف كلّ نفس من تلك النفوس أو كلّ مرتبة من تلك المراتب نفس أخرى أو مرتبة أخرى تكون تلك المادّة معها على صورة أخرى وطبيعة اخرى غير الأولى ، فلا يكون ذلك الجسم الطبيعيّ الذي يفرض موضوعا أو مادّة للنفس الاولى أو للمرتبة الاولى كما كان أوّلا ، بل يكون هناك أعراض أخرى وتغيّرت تلك المادّة في الجوهر.
وحيث عرفت ذلك ، وعرفت أنّه بعد مفارقة النفس لا تبقى المادّة التي فرض كونها مادّة للنفس على نوعها ، عرفت أنّه حينئذ لا يكون هناك مادّة محفوظة الذات بعد مفارقة النفس هي كانت موضوعة للنفس ، والآن موضوعة لغير النفس ، فإذن ليس وجود النفس