في الجسم كوجود العرض في الموضوع ، فثبت مما ذكرنا أنّ النفس ليست بعرض ، وأنّ مادّتها ليست بموضوع لها ، فثبت أنّ النفس جوهر ، لأنّها صورة في موضوع ، وهذا هو المطلوب.
فإن قلت : إنّ ما ذكرته من بيان حال المادّة البدنيّة فى الرحم ، وإن كان ظاهرا على تقدير القول بأنّ الفائض هناك على المادّة البدنيّة نفوس متعدّدة متغايرة ، إلّا أنّه على تقدير القول بأنّ الفائض هناك نفس واحدة بالذات ، يتزايد كمالاتها ، ففيه إشكال. لأنّه إن كانت تلك المراتب المتزايدة من قبيل الأعراض ، والحال أنّ موضوعها يتغيّر بتغيّرها كما هو المفروض ، فيلزم أن يكون بتغيّر العرض يتغيّر الموضوع ، وهذا خلاف ما هو المقرّر عندهم. وإن كانت من قبيل الجواهر ، فتكون هي صورا ، فتكون نفوسا متعدّدة لا نفسا واحدة وذاتا واحدة ، وهذا خلاف المفروض.
قلت : لا إشكال في ذلك ، لأنّها نختار أنّها جواهر وصور مقوّمة لموادّها ، فلذا يلزم من تغيّرها تغيّر موادّها. لكن لا يلزم من كونها صورا كونها نفوسا متعدّدة ، بل أنّها قوى متعدّدة لذات واحدة ونفس واحدة ، أي قوى تنبعث عن النفس الواحدة في الأعضاء ، يتأخّر فعل بعضها ويتقدّم فعل بعض آخر منها بحسب استعداد الآلة ، ولا يلزم من اختلاف قوى متعدّدة لشيء واحد ، اختلاف في ذات ذلك الشيء بحسب جوهره وسنخه ، وهذا كما أنّ من البيّن أنّ لكلّ نفس من النفوس النباتيّة والحيوانيّة والإنسانيّة التي هي بانفرادها ذات واحدة قوى متعدّدة ، ولا يلزم من تعدّد قواها تعدّد ذات تلك النفس الواحدة ، ولم يقل به أيضا أحد.
ثمّ إنّ في هذا المقام إشكالا آخر ذكره الشيخ في الشفاء مع جوابه ، وبيان الإشكال وتحريره : (١) أنّ ما ذكر من أنّ النفس علّة قريبة لقوام مادّتها القريبة ، فهي ليست بعرض ، وأنّ مادّتها ليست بموضوع ، لو كان مسلّما ، فانّما يسلّم في النفس النباتيّة. وأمّا النفس الحيوانيّة ، فيشبه أن تكون النفس النباتيّة تقوم مادّتها ، ثمّ يلزمها اتّباع هذه النفس
__________________
(١) الشفاء ـ الطبيعيّات ٢ / ٢٤ ـ ٢٦ ، الفصل الثالث من المقالة الاولى من الفنّ السادس.