وكذلك يظهر منه أنّ النفس التي لكلّ حيوان أو إنسان هي جامعة لاسطقسّات بدنه ، ومؤلّفها ومركّبها على نحو يصلح معه أن يكون بدنا لها ، وهي حافظة لهذا البدن على النظام الذي ينبغي ، فلا يستولي عليه المغيّرات ما دامت النفس موجودة فيه أو معه ، ولو لا ذلك لما بقي على صحّته.
وممّا ينبّه على ما ذكرنا ، ملاحظة ما يلاحظ من قوّة القوة النامية مثلا وضعفها عند استشعار النفس الناطقة قضايا تحبّها أو تكرهها محبّة وكراهة ليست ببدنيّته البتّة ، وذلك عند ما يكون الوارد على النفس تصديقا ما. وليس ذلك مما يؤثّر في البدن بما هو اعتقاد ، بل يتبع ذلك الاعتقاد انفعال من غمّ أو سرور. وذلك أيضا من المدركات النفسانيّة ، وليس ممّا يعرض للبدن بما هو بدن ، إلّا أنّه يؤثّر في القوّة النامية الغاذية ، حتّى يحدث فيها من العارض الذي يعرض النفس أوّلا ـ كالفرح النطقيّ ـ شدّة ونفاذ في فعلها ، ومن العارض المضادّ لذلك ـ كالغمّ النطقيّ الذي لا ألم بدنيّ فيه ـ ضعف وعجز حتّى يفسد فعلها. وربما انتقص المزاج به انتقاصا. بل ربّما كان الوارد على النفس الناطقة موجبا لتأثّر القوّة الحيوانيّة وقوّتها وضعفها. وكذلك ربّما يكون الواردات على كلّ من النّباتيّة والحيوانيّة موجبة لضعف الاخرى وقوّتها. وكذلك ربّما يكون الواردات عليهما موجبة لتأثّر القوّة الناطقة وقوّتها وضعفها ، وكلّ ذلك ممّا يجده الإنسان من ذاته في الأحوال الواردة عليه ، ودليل على ما ذكرنا من وحدة النفس وتعدّد قواها. فإنّها لو كانت متعدّدة كما قد يظنّ ، لما كان لضعف حال إحداها أو قوّتها مدخل في ضعف حال الاخرى أو قوّتها ، وكذلك هو دليل على أنّ تلك النفس جامعة لقوى الإدراك واستعمال الغذاء ، وهي واحدة ليست لها هذه منفردة عن تلك.
وإذا عرفت ما ذكر ، تبيّن لك أنّ النفس مكمّلة للبدن الذي هي فيه أو معه ، وحافظة على نظامه الأولى به أن يتفرّق ويتميّز ، إذ كلّ جزء من أجزاء البدن يستحقّ مكانا آخر ، ويستوجب مفارقة لقرينه ، وإنّما يحفظه على ما هو عليه شيء خارج عن طبيعته ، وذلك الشيء هو النفس في الحيوان والإنسان. فالنفس إذن كمال ، موضوع ذلك الموضوع يتقوّم