وربّما آثرتها على سلامة نفسها. وهذا كما أنّ بعض الإنسان قد يتخيّل لشيء نافع في الواقع ويتنفّر عنه إذا كان بصورة ما يتنفّر عنه ، او لشيء متنفّر عنه ويميل إليه إذا كان بصورة ما يميل إليه من غير اعتقاد في ذلك. وكذلك ما يشاهد من أنّ الذئب يحذره كلّ شاة وإن لم تره قطّ ولا أصابته منه نكبة وأذيّة ، ويحذر الأسد حيوانات كثيرة ، وجوارح الطير يحذرها سائر الطيور ، فليس ذلك عن اعتقاد ورأي ، وإلّا لوجب أن تحذر هذه الحاذرات ، كالشاة وكثير من الحيوانات والطيور غير الجوارح ، عن غير هذه المحذورات ، أي عن غير الذئب والأسد وجوارح الطير أيضا ممّا ينبغي لها الحذر عنها مثل حذرها عنها ، لكونها ممّا من شأنه إصابة الأذيّة إليها ، وليس كذلك ، بل كلّ ذلك عن إلهام وتسخير ، أو عن تخيّل خاصّ.
خاصّيّة ثالثة للإنسان
ومن جملة خواصّ الإنسان ، أنّه قد يتبع شعوره أنّه فعل شيئا من الأشياء التي لا ينبغي له أن يفعله انفعال نفسانيّ يسمّى الخجل ، بخلاف سائر الحيوان. وكذلك قد يعرض للإنسان انفعال نفسانيّ بسبب ظنّه أنّ أمرا في المستقبل يكون ممّا يضرّه ، وذلك ممّا يسمّى الخوف. والحيوانات الاخرى إنّما يكون لها ذلك بحسب الآن في غالب الأمر ، أو متّصلا بالآن ، بدليل أنّه يزول عنها ذلك الانفعال بعد ذلك الآن ، بخلاف الإنسان. وكذلك للانسان بإزاء الخوف انفعال يسمّى الرجاء ، ولا يكون ذلك أيضا للحيوانات الاخرى إلّا متّصلا بالآن ، لا فيما بعد ذلك من الزمان أيضا كما في الإنسان ، وما يفعله بعض الحيوانات من الاحتياط والاستظهار ، كما يفعله النمل في نقل البرّة بالسرعة إلى حجرتها إنذارا بمطر يكون هناك ، فليس ذلك لأنّها تشعر بالزمان وما يكون فيه ، بل ذلك أيضا بضرب من الإلهام والتسخير ، أو لأجل تخيّل أنّ ذلك هو ذا يكون فى هذا الوقت ، كما أنّ الحيوان يهرب عن الضدّ ، لأنّه يتخيّل أنّه هو ذا يضرّ به في الوقت.
وبالجملة ، فهذا الرجاء للحيوانات ليس كما للإنسان ، لأنّه إنّما يكون لبعض