الحيوانات دون جميعها ، ومع ذلك فهو يكون للحيوانات التي يكون ذلك لها بالنسبة إلى بعض الأمور دون آخر ، ومع ذلك لا يكون إلّا متّصلا بالآن ، فليس ذلك لها عن اعتقاد كما للإنسان.
ثمّ إنّه يتّصل بهذا الجنس من الخاصّيّة ما للإنسان أن يروّي فيه من الأمور المستقبلة أنّه هل ينبغي له أن يفعلها أو لا ينبغي؟ فيفعل ما يصحّ أن يوجب رويّته أن لا يفعله وقتا آخر أو في هذا الوقت بدل ما روّى فيه ، ولا يفعل ما يصحّ أن يوجب رويّته أن يفعله وقتا آخر أو في هذا الوقت بدل ما روّى. وسائر الحيوانات إنّما يكون لها من الإعداد للمستقبل ضرب واحد مطبوع فيه ، وافق عاقبتها أو لم يوافق.
وهذا الذي ذكرناه إنّما هو بيان جملة من الأفعال والانفعالات والأحوال ، وهي ممّا يوجد للإنسان ، وجلّها ، بل كلّها يختصّ به الإنسان. وبعضها وان كان بدنيّا ، لكنّه موجود لبدن الإنسان بسبب النفس للإنسان ، وليست لسائر الحيوان ، وعسى أن نذكر في طيّ الأبواب الآتية نبذا من الخواصّ أيضا.
وبالجملة ، فأكثر الخواصّ الإنسانيّة ، بل كلّها ممّا ذكرنا أو لم نذكرها ، تدلّ على أنّ للإنسان إدراكا للمعاني الكلّيّة ، وهو مختصّ به دون سائر أفراد الحيوان ، وبذلك ـ وكذا بما يشاهد من أحوال الإنسان في أموره وشئونه مع قطع النظر عن تلك الخواصّ أيضا ـ يعلم أنّ أخصّ الخواصّ بالإنسان ، الذي لا يشاركه فيه غيره من أفراد الحيوان ، تصوّر المعاني الكلّيّة العقليّة المجرّدة عن المادّة كلّ التجريد ، والتوصّل إلى معرفة المجهولات تصوّرا أو تصديقا من المعلومات الحقيقيّة.
فى بيان القوى النظريّة والعمليّة للنفس الإنسانيّة
وحيث عرفت ذلك ، فنقول في بيان قوى النظر والعمل التي للنفس الإنسانيّة : إنّه لا يخفى أنّ للإنسان تصرّفا في الأمور الكلّيّة وتصرّفا في الامور الجزئيّة ، وأنّ الامور الكلّيّة إنّما يكون فيها اعتقاد فقط ، ولو كان أيضا في عمل. فإنّ من اعتقد اعتقادا كلّيّا أنّ البيت