المحسوس التي هي منتزعة منه ، وهي كيفيّة حاصلة في الحاسّ كما ذكر ، سواء اطلق عليها اسم الصورة ، أو اسم الماهيّة ، أو اسم الحقيقة. أو اسم المعنى ، أو اسم مثال الحقيقة ، أو أمثال ذلك من الأسامي ؛ وكان الحاسّ بسبب قبوله لتلك الصورة الحاصلة فيه المنطبعة في ذاته يتصوّر بتلك الصورة ، ويتكيّف بتلك الكيفيّة ، ويتمثّل بذلك المثال ، ويتّحد مع تلك الماهيّة نوعا من الاتّحاد ، ويستكمل بها نحوا من الاستكمال بعد أن كان بالقوّة ، ويصير بها نوعا آخر بالفعل ، مثل اتّحاد الجسم بصورته النوعيّة ، واستكماله بها وصيرورته نوعا بالفعل بها بعد أن كان بالقوّة ؛ فيصير بذلك مثل المحسوس ، ومشاكلا له مجانسا إيّاه ، كان في قوّة الحاسّ أن يصير مثل المحسوس بالفعل.
وعلى هذا ، فالمبصر مثل البصر بالقوّة ، وكذلك الملموس والمطعوم وغير ذلك ، ففي كلّ ذلك يكون الحاسّ قبل حصول الإحساس ، مثل المحسوس بالقوّة ، وبعد حصوله مثله بالفعل. بل المحسوس أيضا يكون مثل الحاسّ ، فهما متّحدان نوعا من الاتّحاد ومتماثلان نوعا من التّماثل ، ولذلك يكون المحسوس الأوّل بالحقيقة هو الذي ارتسم في آلة الحسّ وإيّاه يدرك ، أي الصورة المتمثّلة في آلة الحسّ التي بتوسّطها يكون الشيء الخارجيّ محسوسا ، وهو يكون محسوسا ثانيا وبالعرض. ويشبه أن يكون إذا قيل : أحسست الشيء الخارجيّ ، كان معناه غير معنى أحسست في النّفس ، فإنّ معنى قوله : أحسست الشيء الخارجيّ ، أنّ صورته تمثّلت في حسّي ، وأنّه بحصول تلك الصورة وتمثّلها في آلة الحسّ حصل الإحساس بذلك الشيء الخارجيّ ، فكان إحساسه وإدراكه حصوليّا متعلّقا بما كان خارجا عن ذات المدرك. ومعنى أحسست في النّفس ، أنّ الصّورة نفسها ـ من حيث إنّها حاصلة في النّفس ـ تمثّلت في نفسي ، فكان إدراكها لها حضوريّا متعلّقا بما كان داخلا في ذات المدرك غير خارج عنها ، فلذا يصحّ في هذا الإدراك أن يقال : إنّ المدرك أدرك ذاته من وجه.
وإنّما قال : ومعنى أحسست في النّفس ، مع أنّ المناسب أن يقول : أحسست في الحاسّة ، حيث إنّ الكلام في ادراك الحواسّ ، إشارة إلى أنّ المدرك للمحسوسات وإن كان