هو الحاسّة أوّلا ، إلّا أنّ المدرك لها بالحقيقة هو النّفس أيضا وإن كان بواسطة الحاسّة ، كما في إدراك المعقولات ، إلّا أنّ المعقولات يرتسم صورها في النّفس بلا واسطة ارتسامها في شيء آخر ، بخلاف المحسوسات ، فإنّها ترتسم صورها في الحواسّ وفي آلاتها.
ثمّ إنّه حيث كان المحسوس الأوّل بالحقيقة هو الذي ارتسم في آلة الحسّ من الصّورة دون ذي الصورة الذي هو الشيء الخارجيّ ، وكانت الكيفيّات المحسوسة في الأجسام ، إن كان لها وجود في الأجسام موجودة فيها ، دون تلك الصورة التي هي المحسوسة بالحقيقة. فلذلك يصعب إثبات وجود تلك الكيفيّات في الأجسام ، حيث إنّ الأجسام التي هي موجودة فيها ، غير مدركة بالحقيقة ، وما هو مدرك بالحقيقة ليست تلك الكيفيّات موجودة فيه. إلّا أنّ هذه الصعوبة تزول بأنّا نعلم علما يقينيّا ـ وإن كان ذلك العلم اليقينيّ حاصلا من جهة إدراك صور الأجسام وماهيّاتها ـ أنّ في الوجود والطبيعة أجساما ذوات كيفيّات خارجيّة حاصلة فيها قائمة بها في الواقع. فإنّا نعلم قطعا أنّ الأجسام منها ما يتأثّر عنه الحسّ ، ومنها ما لا يتأثّر عنه الحسّ ؛ وذلك لا يكون إلّا بأن يكون بعض الأجسام مختصّا في ذاته بكيفيّة هي مبدأ حالة الحس دون الآخر ، وهذا الذي ذكرنا إنّما هو شرح كلام الشيخ ، وكأنّ فيه تلويحا وإشارة إلى أنّ التعقّل أيضا مثل الإحساس فيما ذكره ، حيث إنّ كلّا منهما نوع من الإدراك. وما ذكره في الإحساس إنّما هو لأجل كون الإدراك كذلك ، فيكون فيه إشارة إلى أنّ العاقل أيضا في قوّته أن يصير مثل المعقول بالفعل ، إذ كان التعقّل هو قبول صورة الشيء مجرّدة عن مادّته ، فيتصوّر بها العاقل ؛ فالمعقول مثل العاقل وكذا العكس ، وانّ المعقول بالحقيقة هو الذي ارتسم في القوّة العاقلة وإيّاه تدرك. ومعنى عقلت الشيء الخارجيّ ، أنّ صورته تمثّلت في العقل ، أي في النّفس العاقلة. ومعنى عقلت في النّفس ، أنّ الصورة نفسها تمثّلت في نفسي ، فيكون إشارة إلى أنّ مذهب الشيخ هو أنّ المعلوم بالذّات هو الصورة الحاصلة من الأمر الخارجيّ ، أي الصورة التي هي ماهيّة الأمر الخارجيّ من حيث إنّها ماهيّة حاصلة في الذّهن. ومن حيث إنّها معلومة لا من حيث إنّها صورة خاصّة قائمة بالنّفس الجزئيّة ، فإنّها