من هذه الحيثيّة علم لا معلوم ، وإلى أنّ الأمر الخارجيّ معلوم بالعرض وبتوسّط العلم بصورته ، وهذا موافق لمذهب الفارابي أيضا كما هو المنقول عنه ، وهذا هو الحقّ كما ينبّه الشيخ في الإحساس ، وأنّ القول بكون المعلوم بالذّات هو الأمر الخارجيّ ليس له وجه ، إلّا أن يكون مراد القائل به أنّ المقصود الأصليّ من العلم هو العلم بالشيء الخارجيّ ، وإن كان بتوسّط العلم بالشيء الذهنيّ ، فتدبّر.
في الإشارة إلى توجيه القول باتّحاد العاقل مع المعقول
وحيث عرفت ما ذكرنا في بيان معنى كلام الشيخ هنا ، عرفت أنّ القول باتّحاد العاقل مع المعقول كما هو رأي فورفوريوس من الأقدمين ، وتبعه جمع ، ربّما يمكن أن يؤوّل بالاتّحاد الذي يظهر من كلام الشيخ هنا ، وفصّلنا بيانه في الإحساس. وعلى هذا ، فذلك المذهب ليس بذلك البطلان الذي زعمه الشيخ ، وبذل جهده في إبطاله في كتاب «الإشارات» بما لا مزيد عليه. فإنّ ذلك الإبطال إنّما هو مبنيّ على إرادة الاتّحاد بين العاقل والمعقول الخارجيّ الذي هو معلوم بالعرض ، مع كونهما ذاتين متباينتين أو متغايرتين في الخارج ، حيث إنّ صيرورة شيء موجود بوجود منفرد مختصّ به شيئا آخر موجودا بوجود آخر مستحيل عند العقل ، وأمّا لو اريد به الاتّحاد بين العاقل والمعقول بالذّات الذي هو تلك الصّورة العقلية نوعا من الاتحاد كما بيّناه ، فله وجه ، وكأنّه هو مراد القائلين بذلك المذهب ، لكنّ الشيخ أعلم.
وهذا الذي ذكرنا من الفرق بين المدرك بالذّات والمدرك بالعرض ، إنّما هو في الإدراك الحصوليّ ؛ وأمّا في الإدراك الحضوريّ ، فليس هناك صورة علميّة وماهيّة مجرّدة عن الوجود الخارجيّ ، ولا إدراك بالعرض ؛ بل الإدراك هناك يتعلّق أوّلا وبالذّات بذلك الأمر الحاضر عند النّفس وهو مدرك بالذّات.
وبالجملة ، أنّه في الإدراك الحصوليّ يكون هناك ماهيّة مجرّدة عن الوجود العينيّ هي تكون مدركة بالذّات ، ويكون بتوسّطها الأمر الخارجيّ مدركا بالعرض ، ويكون تلك