ذاتها عن الوجود العينيّ ولوازمه ، وهذا هو القسم الأوّل.
وقسم له وجود بالفعل في الأعيان ، ككثير من الأشياء الموجودة في الخارج ، وفي هذا القسم يكون تلك الحقيقة المتمثّلة عند المدرك مثالا من ذلك الشيء الخارجيّ مثالا غير مباين لذلك الشيء ، بل مناسبا له حاكيا آثاره ، بل عينه باعتبار الذّات أو مثالا غير مباين للمدرك ، أي غير حاصل عند المدرك من جهة وجوده العينيّ الذي هو بهذه الجهة مباين للمدرك ، ولا يمكن حصوله عنده ، بل حاصلا من جهة وجوده الذهنيّ الذي هو بهذه الجهة غير مباين له ويمكن حصوله عنده.
وبالجملة ماهيّته التي هي عينه من حيث الذّات ، لكنّها مجرّدة عن الوجود الخارجيّ وعن لوازمه وتوابعه تجريدا يفعله العقل ، فيرتسم ذلك المثال في ذات المدرك ، فيدركه أوّلا وبالذّات ، ويدرك الشيء الخارجيّ بواسطته ، وهذا هو القسم الثانيّ.
وهذا الذي ذكرنا إنّما هو شرح كلامه على ما يستفاد منه ظاهرا ، إلّا أنّ المحقّق الطوسيّ (ره) في شرحه للإشارات حمله على محمل آخر. قال في شرح هذا الكلام (١) :
«والأشياء المدركة تنقسم إلى ما لا يكون خارجا عن ذات (٢) ، وإلى ما يكون.
أمّا في الأوّل ، فالحقيقة المتمثّلة عند المدرك هي نفس حقيقتها.
وأمّا في الثّاني ، فهي تكون غير الحقيقة الموجودة في الخارج ؛ بل هي إمّا (٣) صور منتزعة من الخارج إن كان الإدراك مستفادا من خارج ، أو صورة حصلت عند المدرك ابتداء ، سواء كانت الخارجيّة مستفادة منها أو لم تكن. وعلى التقديرين ، فإدراك الحقيقة الخارجيّة هو حصول تلك الصورة الذهنيّة عند المدرك. واستدلّ على ذلك بقوله : فإمّا أن تكون تلك الحقيقة ـ أي المتمثّلة ـ نفس حقيقة الشيء الخارج من المدرك إذا أدرك ، أو يكون (٤) مثال حقيقته مرتسما في ذات المدرك غير مباين له. وقدّم إبطال (٥) القسم الأوّل على ذكر القسم الثاني ، فقال بعد ذكر القسم الأوّل : فتكون حقيقة ما لا وجود له بالفعل في
__________________
(١) شرح الإشارات ٢ / ٣١٢ و٣١٣.
(٢) في المصدر : ذات المدرك ...
(٣) صورة ...
(٤) أو تكون ...
(٥) وقدّم إبطال القسم الثاني فقال.