لنفوسنا ، وتقبلها وتتأثّر عنها ، فيكون ما نتأثّر عنها ، أي تأثرنا عنها وانفعال نفوسنا عنها ، أو الشّيء الذي به نتأثّر عنها ، أي الصورة العلميّة والكيفيّة الحاصلة في نفوسنا هو علمنا بها ، أي منشأ لحصول العلم بها وانكشافها علينا ، وتكون تلك الماهيّة الحاصلة معلومة لنا كالأمر الخارجيّ. وكذلك لو كانت صور مفارقة وتعليميّات مفارقة وجوّزناها ، فإنّما يكون علمنا بها هو ما يحصل لنا منها من التأثّر ، أو الكيفيّة الحاصلة ، ولم تكن أنفسها بحسب وجوداتها العينيّة المفارقة المباينة لنا ، توجد لنا منتقلة إلينا ، لأنّا قد بيّنا بطلان هذا في مواضع ، وقد بيّنا فيما سلف أيضا أنّ الموجود العينيّ بوجوده العينيّ لا يمكن أن يحصل في نفس ، ولا أن يصير صورة لنفس ، بل الموجود لنا من تلك الصورة المفارقة أيضا ـ كما في غيرها من الذوات المجرّدة ـ هي الآثار الحاصلة منها الحاكية لا محالة ، وهي ماهيّاتها المجرّدة.
وبالجملة ، فتلك الآثار الحاكية لها هي علمنا بها باعتبار ، ومعلومة لنا باعتبار آخر.
وذلك إمّا أن يحصل لنا في أبداننا وأجسامنا أو في نفوسنا.
والأوّل باطل ، إذ قد بيّنا في موضعه استحالة حصول ذلك في أبداننا ، حيث إنّ الوجود في المادّيّ ـ من حيث هو موجود في المادّيّ ـ لا يكون إلّا مادّيّا ، وهذا باطل ، إذ قد بيّنا في مواضع ـ وسنبيّن أيضا ـ أنّ تلك المعقولات من حيث كونها معقولات مجرّدة عن المادّة ، فبقي أنّها تحصل في نفوسنا.
ثمّ نقول : إنّ تلك المعقولات الحاصلة في النّفس ، لأنّها في الحقيقة آثار في النّفس لا ذوات تلك الأشياء المعقولة ، حيث إنّ ذواتها بوجوداتها لا تحصل للنّفس ، ولا أشياء أخرى هي أمثال لتلك الأشياء ، قائمة تلك الأمثال بذواتها لا في موادّ بدنيّة أو نفسانيّة. حيث إنّها لو كانت كذلك ، يلزم أن يكون ما لا موضوع له يتكثّر نوعه بلا سبب يتعلّق به بوجه ، لأنّ الصّورة العلميّة من حيث كونها صورة علميّة ، وإن كانت حاصلة من ذات واحدة ، فهي باعتبار تعدّد النّفوس التي هي حاصلة فيها متعدّدة متكثّرة ، وإذا كانت قائمة بذاتها لا في موادّ بدنيّة أو نفسانيّة ، أي كانت بحيث لا موضوع لها بوجه ، يلزم أن يتكثّر