فتجرّدها إمّا لذاتها من حيث هي ذاتها ، أو لما أخذت هي منه ، أو من جهة الآخذ.
والأوّل يوجب أن لا يعتريها شيء من تلك العوارض بحسب وجودها العينيّ أيضا ، لأنّ ما بالذّات لا يتخلّف.
والثاني يستلزم التناقض.
وفي الأخير ثبوت المطلوب ، وهو وجود المعقولات في شيء غير جسم وجسمانيّ ، أي أنّ الجوهر العاقل الذي هو محلّ المعقولات ليس بجسم ولا هو قائم في جسم على أنّه قوّة فيه أو صورة له بوجه.
وهاهنا برهان آخر أيضا على هذا المطلوب ، وهو إن كان محلّ المعقولات جسما أو مقدارا من المقادير ، فإمّا أن يكون تلك الصّورة المعقولة تحلّ منه شيئا وحدانيّا غير منقسم بوجه ، أو تكون إنّما تحلّ منه شيئا منقسما.
والأوّل باطل ، لأنّ الشيء الذي لا ينقسم من الجسم بوجه إنّما هو النقطة ، والنقطة لا يمكن أن يكون محلّا للصّورة المعقولة ، لا لأجل أنّ النقطة عرض ، والعرض لا يكون محلّا لشيء ، حتّى يرد النّقض بأنّ الخطّ مع كونه عرضا محلّ النقطة ، وكذا السطح مع كونه عرضا محلّ للخط ، وكذا الجسم التعليميّ مع كونه عرضا محلّ للسّطح ، وكذا الحركة مع كونها عرضا هي محلّ للسّرعة والبطء. بل لأجل أنّ الحالّ الذي له وجود منفرد متميّز بالذّات ، كالصّورة العلميّة ، يجب أن يكون لمحلّه أيضا وجود منفرد متميّز بالذّات. والنقطة ليس لها (١) وجود منفرد كذلك ، لأنّه لو كان لها وجود كذلك ، لكانت جوهرا فردا ، وقد ثبت بطلانه.
وكذلك الثاني باطل ، لأنّه إذا كان محلّ الصّورة المعقولة من الجسم شيئا منقسما ، يجب أن تكون هي أيضا منقسمة بانقسامه.
وبيان ذلك يقتضي تمهيد مقدّمة مبيّنة في موضعها ، وهي أنّ المحلّ قد يكون بحيث لا يقتضي انقسامه انقسام الحالّ ، وقد يكون بحيث يقتضي.
__________________
(١) في الأصل «له» ، والظاهر ما أثبتناه.