إنسان مثلا ، فلا بدّ من أن يلاحظ النّفس أجزاء له متباينة الوضع ، مقارنة لهيئات غريبة مادّيّة ، كالعين والأنف والفم ، فإنّ صورة العين اليمنى تدرك في مادّة أو في جهة لم تحلّ اليسرى فيها ، وكذلك اليسرى ، فهما متباينتان بالوضع. وأيضا كونهما على بعد مخصوص بينهما ، وكون إحداهما في جهة من الأخرى غير جهة الأنف هيئات غريبة مادّيّة تقارنها ، وتلك الملاحظة تفتقر إلى أن يكون رسمها الحسيّ ورشمها الخياليّ في ذي وضع وذي قبول انقسام ، أي في شيء مادّيّ ، وهذا ظاهر.
وكذا الاحتمال الثّاني ، أعني أن يكون أجزاء الصّورة العقليّة أجزاء غير متشابهة ، باطل أيضا ، لأنّ تلك الأجزاء لا تكون إلّا أجناسا وفصولا ذاتيّة ، كما هو المحقّق في محلّه ، ومحال أن تنقسم الصّورة العقليّة إلى الأجناس والفصول بحسب انقسام محلّها ، أي الجسم المنقسم إلى الأجزاء المقداريّة ، لأنّ كلّ جسم ، بل كلّ جزء من جسم يقبل القسمة في القوّة قبولا غير متناه كما حقّق في محلّه ، فيجب أن يكون تلك الأجناس والفصول أيضا في القوّة غير متناهية ، وهذا محال. إذ يستلزم امتناع تعقّل كنه الأنواع ، لأنّ تعقّله على هذا يتوقّف على تعقّل الامور الغير المتناهية.
وأيضا لو كانت القسمة في الجسم إلى أجزاء مقداريّة متباينة في الوضع تفرز أقساما في الصّورة العقليّة ، أي أجناسا وفصولا ، لكانت تلك الأجناس والفصول أيضا متمايزة في الوضع ، وهذا باطل ، لأنّ الأجناس والفصول غير متمايزة في الوضع.
وأيضا لو كانت تلك القسمة ممّا تفرز أجناسا وفصولا ، فلتكن القسمة ممّا قد وقعت من جهة ، فأفرزت من جانب جنسا ومن جانب فصلا. فلو غيّرنا القسمة وأوقعناها من جانب آخر ، يلزم أن يقع بحسب القسمة الأخيرة في جانب نصف جنس ونصف فصل ، وهكذا في الجانب الآخر ، أو انتقال الجنس والفصل إلى القسمين الأخيرين بعد كونهما في القسمين الأوّلين ، أعني أن يميل كلّ من الجنس والفصل إلى القسمين الأخيرين ، ويكون فرضنا الوهميّ أو القسمة الفرضيّة يدور بمكان الجنس والفصل ، وكان يجرّ كلّ واحد منهما إلى جهة ما بحسب إرادة مريد من خارج ، وكلّ ذلك ممّا لا معنى له.