إنّما هي ذات واحدة بالشّخص ، ويختلف حالاتها وكمالاتها بحسب مراتبها الأربع : الهيولانيّة ، وبالملكة ، وبالمستفاد ، وبالفعل. وهذا الاختلاف لا دخل له في اختلاف ذاتها بذاتها ، كما سيجيء بيانه. وكذلك مبنيّ على أنّ النّفوس متّحدة بالنّوع وبالحقيقة ، مختلفة بالعوارض المشخّصة ، كما هو المقرّر عندهم ، وسيأتي بيانه فيما بعد إن شاء الله تعالى.
وحينئذ نقول : إذا ثبت بالدّلائل المذكورة تجرّد النّفس الإنسانيّة التي في مرتبة العقل بالفعل أو بالمستفاد ، يجب أن يثبت ذلك فيها في المرتبتين المتقدّمتين ، وكذا في كلّ النّفوس الإنسانيّة ، إذ لو كانت النّفس الواحدة التي في المرتبتين المتقدّمتين أو في الهيولانيّة منطبعة في المادّة وفيما بعد ذلك من المراتب مجرّدة عنها ، لكانت ذاتا واحدة بالعدد بحسب وجود واحد ـ أعني الوجود الخارجيّ ـ متحصّلة القوام بالمادّة تارة ، ومستغنية عنها في قوامها وتحصّلها أخرى ، وهذا محال بالضرورة.
وكذلك لو كانت نفوس المستكملين مجرّدة عن المادّة في قوامها ونفوس غيرهم كالأطفال والبله والمجانين منطبعة فيها ، لم تكن النفوس الإنسانيّة متّحدة في النّوع والحقيقة ، بل مختلفة فيهما ، إذ ليس الاختلاف بالتجرّد عن المادّة في القوام والتحصّل والانطباع فيها ، فيهما اختلافا بحسب العوارض حتّى لا ينافي الاتّحاد في الحقيقة ، بل إنّ ذلك اختلاف بحسب الحقيقة ، أي بحسب الحقيقة التي هي لذلك الشيء بحسب وجوده الخارجيّ ، وهذا أيضا خلاف الفرض.
فظهر أنّه كما أنّ الإدراك بالفعل للمعقولات دليل على تجرّد المدرك لها ، كذلك كون النّفس بحيث يكون من شأنها إدراك المعقولات ، لو لم يكن هناك مانع عنه ، كاف في ذلك ، كما في نفوس غير المستكملين. وسيظهر لك أنّ كلام الشيخ في «الشّفاء» أيضا يدلّ على ما ذكرنا.
فإن قلت : إنّ ما ذكرته وارد عليك في النّفوس الإنسانيّة الجامعة لمراتب النّفس النباتيّة والحيوانيّة والإنسانيّة الناطقة ، حيث ذكرت فيما سبق أنّ النّفس واحدة بالذات وبالعدد ، مختلفة بحسب الكمالات والحالات ، فتصدر عنها باعتبار قوّة أفعال النباتيّة ،