وباعتبار قوّة أخرى أفعال الحيوانيّة ، وباعتبار قوّة أخرى أفعال الحيوانيّة ، وباعتبار قوّة أخرى أفعال الإنسانيّة ، مع أنّه عندك أنّ النّفس الإنسانيّة مجرّدة عن المادّة ، وأنّ النباتيّة والحيوانيّة منطبعتان فيها ، فيلزم أن يكون ذات واحدة بالعدد بحسب وجود واحد مجرّدة عن المادّة تارة ، ومستغنية عنها أخرى ، وهذا هو ما ذكرت من المحال.
قلت : إنّا وإن ادّعينا أنّ النّفس الإنسانيّة الجامعة لتلك المراتب واحدة بالذات وبالعدد ، إلّا أنّا لا ندّعي أنّها بحسب الأفعال الإنسانيّة مجرّدة ، وبحسب الأفعال النباتيّة والحيوانيّة منطبعة في المادّة ، بل ندّعي أنّ هناك ذاتا واحدة مجرّدة عن المادّة في ذاتها في جميع مراتبها وأحوالها وصفاتها وأفعالها ، إلّا أنّ أفعالها على قسمين :
قسم يصدر عنها بقوّة عقليّة ، أي بنفسها منفردة عن غيرها مطلقا ، وهو إدراك المعقولات ، وهو دليل على تجرّدها.
وقسم يصدر عنها بتوسّط الآلات والقوى المادّية ، وهو الأفعال النّباتيّة والحيوانيّة ، وليس يلزم من كون فعلها تارة بتوسّط الآلة والمادّة أن تكون هي منطبعة في المادّة في ذاتها ، بل هي في هذه الأفعال أيضا مجرّدة عن المادّة في ذاتها ، وإن كان فعلها بتوسّط الآلة المادّية. كما أنّه لا يلزم من تقدّم أفعالها المادّية على أفعالها الذاتيّة أن تكون هي أوّلا منطبعة في المادّة ، ثمّ تصير مجرّدة عنها ، لأنّها خلقت بحيث يكون من شأنها أن تدبّر البدن وتتصرّف فيه وتستعمل الآلات فتفعل الأفعال الآليّة أوّلا حتّى تصير بذلك مستكملة ، بحيث يمكن لها أن تفعل بعد ذلك الأفعال الذاتيّة التي هي دلائل على تجرّدها ، فالاشتغال بالأفعال الآليّة كأنّه مانع عن الاشتغال بالأفعال الذاتيّة باعتبار ، وإن كان للأوّل إعانة في الثاني ، كما سيأتي تحقيقه ، وبذلك تكون أفعالها الآليّة متقدّمة على أفعالها الذّاتيّة.
وهذا بخلاف نفس النّباتات ونفوس الحيوانات الأخر غير الإنسان ، فإنّا لمّا لم نجد لنفوس الحيوانات الأخر مثلا فعلا صادرا عنها بنفسها دليلا على تجرّدها ، بل وجدنا أنّ كلّ ما يصدر عنها إنّما يصدر بتوسّط الآلة الماديّة ، حكمنا بأنّها منطبعة في المادّة ، ولو كنّا