فيما ذكره بعض مفسّري كلام أرسطو (هو أبو عليّ أحمد بن محمّد مسكويه)
فنقول : ذكر بعض مفسّري كلام أرسطو في مقام إثبات أنّ النّفس الإنسانيّة ليست بجسم ولا عرض ولا مزاج ، بل هي جوهر قائم بذاته غير قابل للموت :
أنّ من الأشياء البيّنة الواضحة ، أنّ الجسم إذا قبل صورة ، لم يمكنه أن يقبل صورة غير ما هي من جنسها إلّا بعد أن يخلع الصّورة الاولى ويفارقها على التمام. ومثال ذلك أنّ الفضّة إذا قبلت صورة الخاتم ، لم يمكنها أن تقبل صورة الكوز ـ مثلا ـ إلّا بعد أن تزول عنها صورة الخاتم وتخلعها خلعا تامّا. وكذلك الشّمع إذا قبل صورة نقش ما لم يمكنه أن يقبل صورة نقش آخر ، إلّا بعد أن يمحو عنه صورة النّقش الأوّل ، ويفارقه مفارقة تامّة. وعلى هذا حال جميع الأجسام.
وهذه قضيّة صادقة مشهورة لا يحتاج فيها إلى دليل ، فإن نحن وجدنا شيئا حاله بالضّدّ من حال الأجسام في المعنى الذي ذكرناه ، أعني أنّه يقبل صورا كثيرة من غير أن يبطل شيئا منها ، تبيّن لنا أنّه ليس بجسم. فإن بان لنا ـ مع ذلك ـ أنّه كلّما كثرت هذه الصّور فيها ، ازدادت على قبول غيرها ، ثمّ جرى ذلك على هذا النّظام إلى غير نهاية ، ازددنا بصيرة ويقينا أنّه ليس بجسم. والنّفس العاقلة هذه صورتها ، وتلك أنّها إذا قبلت صورة معقول ما ، وثبتت تلك الصّورة فيها ، ازدادت بها قوّة على تصوّر معقول آخر إليها من غير أن تفسد الصّورة الأولى. ثمّ كلّما كثرت صور المعقولات فيها ، اقتدرت بها على قبول غيرها ، وقويت في هذا القبول قوّة متزايدة بحسب تزايد المعقولات.
ثمّ إنّ من الأمور المسلّمة أنّ الإنسان إنّما يتميّز عن البهائم وغيرها بهذا المعنى الموجود له ، لا بتخاطيطه ولا ببدنه ولا بشيء من أشكاله البدنيّة. ومن الدليل على أنّ ذلك كذلك ، أنّ هذا المعنى هو الذي يقال به : فلان أكثر إنسانيّة من فلان ، إذا كان فيه أبين وأظهر. ولو كانت إنسانيّته بالتخاطيط وغيرها من جملة البدن ، لكانت إذا تزايدت في إنسان قيل بها : فلان أكثر انسانيّة من فلان ، ولسنا نجد الأمر كذلك.
وهذا المعنى الذي ذكرناه يسمّى مرّة نفسا ناطقة ، ومرّة قوّة عاقلة ، ومرّة قوّة مميّزة ،