ولسنا نشّاح في الأسماء ، فليسمّ بأيّ اسم كان.
وممّا يدلّ أيضا على أنّ هذا المعنى ليس بجسم ، أنّ جميع أعضاء الحيوان من الإنسان وغيره ، صغر فيه أم كبر ، ظهر منه أم بطن ، إنّما هو آلة مستعملة لغرض لم يكن استمرّ إلّا به ، إذ كان البدن كلّه آلات ، ولكلّ آلة منها فعل خاصّ ، لا يتمّ إلّا إذا اقتضى مستعملا ، كما نجد آلات الصّانع والنّجار وغيرهما.
وليس يجوز أن يقال : إنّ بعض البدن يستعمل بعضه هذا الاستعمال ، لأنّ ذلك البعض الذي يشار إليه ويظنّ أنّه يستعمل الآلات الباقية ، هو أيضا آلة أو جزءا من آلة ، وجميعها مستعملة ، فمستعملها غيرها. واذا كان مستعملها غيرها ولم يكن جزءا منها ، وجب أن يكون غير جسم ، ليستمرّ له أن لا يشغل مكان الجسم ، ولا يزال آلات الجسميّة موضعها ، لأنّه لا يحتاج إلى مكان ، ويستعملها كلّها على اختلاف الاغراض المستعملة فيها في حالة واحدة من غير غلط ولا عجز ، ليتمّ من الجميع أمر واحد ، فإنّ هذه الأحوال ليست أحوال الأجسام ، ولا موضوعة في أحكامها. وسنبيّن أنّ هذا المعنى ليس بعرض ولا مزاج إذا ذكرنا الفرق بين العقل والحسّ فيما يأتي من بعد.
على أنّا نقول هاهنا : إنّ المزاج ، وبالجملة الأعراض التي توجد في الجسم ، كلّها تابعة للجسم ، والتّابع للشّيء هو أخسّ منه وأقلّ حظّا من الوجود ، لأنّه لا يوجد إلّا بوجوده. فإن كان أخسّ منه ، فكيف يستخدمه ويستعمله ، كما يستعمل الصانح آلته ويصير رئيسا عليه ، ومتحكّما فيه ، وهذا تقبيح شنيع». ـ انتهى كلامه ـ
وقد ذكر بعض أهل التحقيق : أنّ كلّ صورة أو صفة حصلت في الجسم بسبب ، فإذا زالت عنه وبقي فارقا عنها ، يحتاج في استحصالها إلى استئناف سبب أو سببيّة من غير أن يكون مكفيّا بذاته ، إذ ليس هذا من شأن الجسم. ومن شأن النّفس في الصّور العقليّة أن قد تصير بعد استحصالها من معلّم أو فكر ، مكفيّة بذاتها في استرجاعها ، فالنّفس تعالت عن أن تكون جرميّة ، فهي روحانيّة.
وأيضا أنّ كلّ جوهر مادّي لا يمكن أن تتراكم عليها صور كثيرة فوق واحدة ،