الوجه الثّاني
إنّا نجد من أنفسنا أنّ أفعال النّفوس الثلاثة وقواها قد يضعف بعضها بعضا ، وقد يقوّي بعضها بعضا ، وقد يستعمل بعضها بعضا ، وقد يشتغل بعضها عن بعض ، وقد يحرّك بعضها إلى بعض ، وقد يمنع بعضها عن بعض ، وقد يردّ بعضها إلى بعض.
وذلك كما نجد من أنّ الفرح النطقي ـ الّذي هو من فعل النّفس الإنسانية ، وذلك عند استشعارها بقضايا تحبّها محبّة ليست ببدنيّة ـ يؤثّر في القوّة النّامية وفي فعل النّفس النباتيّة ، فيفيدها شدّة ونفاذا في فعلها ، وأنّ الألم النطقيّ ـ الذي هو من فعل النّفس الإنسانيّة أيضا ، وذلك عند استشعارها بقضايا تكرهها كراهة ليست ببدنيّة أيضا ـ يؤثّر في فعل النّفس النباتيّة وفي القوّة النّامية ، فيكون سببا لضعفها وعجزها حتّى يفسد فعلها ، وربّما انتقض المزاج به انتقاضا.
وكما نجد من أنّ الفرح الحسّيّ أو الألم الحسّيّ ـ اللذين هما من أفعال النّفس الحيوانيّة ، وذلك عند إدراكها للأشياء الملذّة أو المؤلمة ، مثل إبصارها للصّور الحسنة أو القبيحة أو استماعها للأصوات الموافقة أو المنافرة ـ يؤثّران في فعل النامية قوّة أو ضعفا. وكما نجد من أنّ قوّة القوّة النّامية أو ضعفها تؤثّران في فعل الحيوانيّة وقواها قوّة أو ضعفا ، بل في فعل الإنسانيّة أيضا. فإنّ من كان صحيح المزاج والبنية ، يكون فعل حواسّه وكذا فعل قوّته العاقلة أتمّ وأكمل ، وأنّ من كان عليل المزاج والبنية ، يكون بعكس ذلك.
وكما نجد من أنّ قوّة الأفعال الحيوانيّة أو ضعفها قد يؤثّران في قوّة النّفس الإنسانيّة أو ضعفها وإن لم يكن ذلك كلّيّا ولا أكثريّا.
وكما نجد من أنّ القوّة النباتيّة قد تستعمل القوّة الحيوانيّة أو الإنسانيّة ، وذلك كما يكون عند التغذّي مثلا ، فيلاحظ أوّلا بالقوّة الحيوانيّة أو الإنسانيّة كون ذلك الغذاء ملائما أو منافرا ، فتدرك ذلك إمّا بالحواس أو بالحكم العقليّ حتّى تتغذّى به أو تتركه.
وكما نجد من أنّ إدراك الأشياء الملائمة قد يثير الشهوة ، وأنّ إدراك الأشياء المنافرة