بينهما باعتقاد الخصم أيضا.
وإمّا مبنيّ على أن يكون هناك مدبّر أصل ، ويكون ما سواه كالفروع بل كالقوى له ، أي أن يكون لهذه النّفوس المتعدّدة رباط واحد يجمع كلّها ، أي ما به الارتباط الذي يجمع كلّ ذلك إليه ، ويكون نسبته إلى هذه نسبة الحسّ المشترك إلى الحواسّ التي هي الرواضع ، وفيه المطلوب.
وبعبارة أخرى إنّك قد عرفت أنّ هذه القوى والنّفوس تشغل بعضها بعضا ، ويستعمل بعضها بعضا مع أنّ المفروض أن ليس بينها ولا بين أفعالها ارتباط ، وليس هنا أيضا اشتراك في المحلّ أو الآلة. فلو لم يكن هنا رباط يستعمل هذه فيشغل بعضها عن بعض فلا يستعمل ذلك البعض ولا يدبّره ، لما كان بعضها يمنع بعضا عن فعله بوجه من الوجوه ، ولا ينصرف عنه ، لأنّ فعل قوّة من القوى أو نفس من النّفوس إذا لم يكن له اتّصال بقوّة أخرى أو نفس أخرى لا تمنع الأخرى عن فعلها إذا لم تكن الآلة مشتركة ولا المحلّ مشتركا ولا أمر يجمعها غير ذلك مشتركا. فبقي أن يكون ذلك الارتباط لأمر رابط غير الآلة والمحلّ.
وحينئذ فنقول : إنّ هذا الجامع الرابط لا يجوز أن يكون جسما.
أمّا أوّلا فلأنّ الجسم بما هو جسم ليس يلزمه أن يكون مجمع هذه القوى أو النّفوس ، وإلّا لكان كلّ جسم كذلك ، بل لأمر يصير به كذلك ، ويكون ذلك الأمر هو الجامع الأوّل ، وهو كمال الجسم من حيث هو مجمع وهو غير الجسم ، فيكون إذن المجمع هو شيئا غير الجسم ، وليس هو إلّا النّفس.
وأمّا ثانيا فلأنّه قد تبيّن ممّا سلف أنّ من هذه القوى أو النّفوس ما ليس يجوز أن يكون جسما أو جسمانيّا مستقرّا في جسم ، وهو القوّة العاقلة والنّفس الناطقة.
وأمّا ثالثا فلأنّ ذلك الجسم إمّا أن يكون جملة البدن ، فيلزم أن يكون إذا نقص منه شيء لا يكون ما نشعر به نحن «أنا» موجودا ، وليس كذلك لأنّي مثلا أكون أنا وإن لم أعرف أنّ لي يدا أو رجلا أو عضوا من هذه الأعضاء ، بل أظنّ أنّ هذه توابعي ، وأعتقد أنّها آلات لي أستعملها في حاجات ، لو لا تلك الحاجات لما احتيج إليها لي ، ويكون أنا أيضا