أنا وليست هي ، وقد عرفت فيما سلف أنّا لو فرضنا أنّه لو خلق إنسان دفعة واحدة ، وخلق متباين الأطراف ولم يبصر أطرافه ، واتّفق أن لم يمسّها ولا تماسّت ولم يسمع صوتا جهل وجود جميع أعضائه ، وعلم وجود إنيّته شيئا واحدا مع جهل جميع ذلك ، وليس المجهول بعينه هو المعلوم.
وإن لم يكن ذلك الجسم جملة البدن ، بل كان عضوا مخصوصا ، كالقلب أو الدماغ أو عدّة أعضاء منه هويّتها أو هويّة مجموعها هو الشيء الذي أشعر به «أنا» ، أنّه «أنا» ، فيجب أن يكون شعوري ب «أنا» هو شعوري بذلك العضو أو بتلك الأعضاء ، لأنّ الشيء لا يجوز أن يكون من جهة واحدة مشعورا به غير مشعور به وليس كذلك ، فإنّي أعرف أنّ لي قلبا أو دماغا بالإحساس والسّماع والتجارب ، لا لأنّي أعرف أنّي أنا ، فيكون إذن ليس ذلك العضو لنفسه الشيء الذي أشعر به أنّه أنا بالذّات ، بل يكون بالعرض أنا ، ويكون المقصود بما أعرفه منّي أنّي أنا الذي اعيّنه في قولي : أنا أحسست وتعقّلت وفعلت وجمعت هذه الأوصاف شيئا آخر هو الذي أسمّيه أنا ، وكذلك أنّي أعرف أنّي أنا بالمعنى الذي أسمّيه النّفس ، أعني المدبّر للبدن والمتصرّف فيه ، مع أنّي لا أعرف القلب والدماغ ولا أفهم معناهما ، وحيث بطل كون ذلك الرابط الجامع جسما بطل كونه جسمانيّا أيضا ، وحيث بطل ذلك ، بطل كونه من جملة هذه النّفوس الثلاثة نفسا نباتيّة أو نفسا حيوانيّة ، لكون كلّ منهما جسمانيّة أيضا كما هو المقرّر عندهم ويعترف به الخصم أيضا. فبقي أن يكون ذلك الرابط الجامع الواحد نفسا انسانيّة ، وبطل أيضا بذلك كون المتصرّف في البدن نفوسا متعدّدة ، كما ادّعاه الخصم.
في إبطال ما تمسّكوا به في تعدّد النّفس في الإنسان
مع أن ما تمسّك هو به باطل بما أبطله الشيخ.
قال (١) : «وأمّا حجّة هؤلاء الذين يجزّءون النفس ، فقد أخذ فيها مقدّمات باطلة ، من
__________________
(١) الشفاء ـ الطبيعيّات ٢ / ٢٢٨ ـ ٢٣١ ، الفصل السابع في المقالة الخامسة من الفنّ السادس.