بالواسطة ، ولبعضها بدون الواسطة ، والحال أنّ تلك الذات إنّما يصدر عنها فعلها بالاختيار والإرادة ، وتلك الأفعال منها ما ليس مقارنا للاختيار والإرادة ، كالأفعال النباتيّة ، فكيف يصدر عن الفاعل بالإرادة فعل ليس بإرادة؟
والجواب عنه : أنّه لا حجر في ذلك ، فإنّ الذي يقتضيه الدليل أنّ الفاعل بالإرادة إنّما يكون فعله بالإرادة إذا كان يصدر عنه بلا واسطة ، أو بتوسّط قوّة تختصّ به نفسه ، كالأفعال الإنسانيّة. أمّا ما لا يكون كذلك ، بل يكون بتوسّط أمر آخر أو قوّة لا تختصّ به نفسه ، بل بآلته كالأفعال الحيوانيّة والنباتيّة ، فهو تابع في ذلك لما يلزم تلك الواسطة ، فتلك الواسطة إن كان فعلها بمقارنة الإرادة كالقوّة الحيوانيّة ، يكون فعل ذلك المبدأ البعيد أيضا بالإرادة ، لا لأجل أنّه مبدأ بعيد له ، بل لأجل أنّ فعل ذلك المتوسّط الذي هو قوّة له بالإرادة ، يعنى أنّه يكون بالإرادة لا بالذّات بل بالعرض ، وإن كان فعل تلك الواسطة لا بالإرادة كالأفعال النباتيّة. فلا ينافي كون ذلك الفعل مستندا إلى ذلك المبدأ البعيد الذي هو بالإرادة ، وكيف ذلك والحال أنّ الأفعال الطبيعية التي ليست مع الإرادة مستندة بالاخرة إلى المبدأ الفيّاض الذي فعله مقارن للإرادة البتّة.
وهذا كما أنّ فعل النّفس الإنسانيّة بالذّات يكون كلّيّا ، وما يصدر عنها بتوسّط القوّة الحيوانيّة يكون جزئيّا وإن كان مع الإرادة ، ولا حجر في ذلك أيضا. وحاصل المقام أنّ ما ينسب إلى النّفس النباتيّة في النبات من الأفعال الطبيعية التي ليست بالإرادة ، منسوبة في الإنسان إلى بعض قوى النّفس الإنسانيّة ، حيث إنّ المفروض أنّ النّفس النّباتيّة قوّة من قواها ، وقواها أيضا من قواها ، وكذلك ما ينسب إلى النّفس الحيوانيّة في الحيوان من الأفعال الجزئيّة المقارنة للإرادة ، فهى منسوبة في الإنسان إلى بعض من القوى الإنسانيّة ، حيث إنّ النّفس الحيوانيّة قوّة من قواها وكذلك قواها من قواها ، وما ينسب إلى النّفس الإنسانيّة ، فهي منسوبة إليها بالذّات.