تلك الذّات تفيض عن المبدأ الفيّاض ثمّ تفيض عنه لأجل تلك الذّات قوى متخالفة بعضها تحلّ في آلاتها وبعضها تقوم بها بذاتها ، وجعل لها اقتدار على استعمال كلّ تلك القوى في أفعالها ، وكلّ تلك القوى خوادم لها.
وكيف ما كان ، سواء بنى على ما ذكره أو على ما ذكرنا ، فمحصّل الكلام أنّه يجوز أن يكون النّفس التي هي المدبّرة للبدن ذاتا واحدة بسيطة مجرّدة عن المادّة في ذاتها ، ويفيض عنها أو عن المبدأ الفيّاض لأجلها في أعضاء مختلفة قوى مختلفة ، أو أن يفيض عنها أو عن المبدأ الفيّاض لأجلها أوّلا في البذر والمنيّ قوّة الإنشاء ، فتنشأ أعضاء على حسب موافقة أفعال تلك القوّة ، يستعدّ كلّ عضو لقبول قوّة خاصّة به تفيض فيه. ولو لا ذلك لكان خلق البدن معطّلا لها. وهذا هو القول فى كيفيّة فيضان القوى الآليّة.
وأمّا القول في كيفيّة فيضان القوى الذّاتيّة ، فبأن يقال : يجوز أن يفيض عن تلك النّفس ، أو عن المبدأ الفيّاض لأجلها بحسب استعدادات حاصلة لها بسبب تعلّقها بالبدن قوى مختلفة عليها تقوم هي بذاتها تستعملها فى أفعالها الذّاتيّة ، والله أعلم بكيفيّة الحال.
فى الإشارة إلى أنّ تلك القوى المتخالفة كيف يخدم بعضها بعضا
ثمّ اعلم ، أنّهم ذكروا ـ كما سيتّضح لك فيما بعد في باب تعديد القوى أيضا ـ أنّ تلك القوى كيف يرؤس بعضها بعضا وكيف يخدم بعضها بعضا ، حيث يظهر لك أنّ العقل المستفاد رئيس للكلّ ويخدمه الكلّ ، وهو الغاية القصوى. ثمّ العقل بالفعل يخدمه العقل بالملكة. ثمّ العقل العمليّ يخدم جميع هذه ، لأنّ العلاقة البدنيّة ـ كما سيتّضح بعد ـ لأجل تكميل العقل النظريّ وتزكيته. والعقل العمليّ هو مدبّر تلك العلاقة ، ثمّ العقل العمليّ يخدمه الوهم. والوهم يخدمه قوّتان : قوّة بعده ، وقوّة قبله. فالقوّة التي بعده هي القوّة التي تحفظ ما أدّاه الوهم ، أي الذاكرة. والقوّة التي قبله هي جميع القوى الحيوانيّة. ثمّ المتخيّلة يخدمها قوّتان مختلفتا المأخذين : فالقوّة النزوعيّة تخدمها بالائتمار لأنّها تبعثها على