التحريك نوعا من البعث ، والقوّة الخياليّة تخدمها لعرضها الصّور المخزونة فيها المهيّأة لقبول التركيب والتفصيل ، ثمّ هاهنا رئيسان لطائفتين ، أمّا القوّة الخياليّة فيخدمها بنطاسيا ، وبنطاسيا يخدمها الحواسّ الخمس. وأمّا القوّة النزوعيّة فيخدمها الشهوة والغضب ، والشهوة والغضب يخدمهما القوّة المحرّكة في الفعل. ثمّ القوى الحيوانيّة يخدمها النباتيّة ، أوّلها ورأسها المولّدة. ثمّ النّاميّة تخدم المولّدة ، ثمّ الغاذية تخدمها جميعا. ثمّ القوى الطبيعيّة الأربع تخدم هذه ، والهاضمة منها تخدمها الماسكة من جهة ، والجاذبة من جهة ، والدافعة تخدم جميعها ، ثمّ الكيفيّات الاربع تخدم جميع ذلك ، لكن الحرارة تخدمها البرودة ، فإنّها إمّا أنّ تعدّ للحرارة مادّة أو تحفظ ماهيّتها ، ولا مرتبة للبرودة في القوى الداخلة في الأعراض الطبيعيّة إلّا منفعة تابع وتال ، وتخدمهما جميعا اليبوسة والرطوبة ، فهذه درجات القوى.
ومنه يعلم كيفيّة تقدّم بعضها في الوجود وتأخّرها في الشّرف وبالعكس ، وكذا يعلم منه كيفيّة ارتباط تلك القوى بعضها ببعض ، فتبارك الله أحسن الخالقين.
في الإشارة إلى أنّ أيّا من الأفاعيل تقتضي قوّة على حدة
وإذا انتهى الكلام إلى هذا المقام ، فنتكلّم في أنّ أيّا من الأفاعيل تقتضى قوّة على حدة وأيّا منها يمكن أن يكون لها قوّة مشتركة ، وأنّه هل يجب أن يكون لكلّ نوع من الفعل قوّة تخصّه أو لا يجب؟ وفي أنّه بأيّ سبب يكون القوى متغايرة تغايرا ذاتيّا ، وبأيّ سبب وجهة يمكن أن يكون بينها جامع مشترك؟
فنقول : إنّ للنفس أفعالا تختلف على وجوه ، فيختلف بعضها بالشدّة والضّعف ، وبعضها بالسّرعة والبط ، فإنّ الظّن اعتقاد ما يخالف اليقين بالتأكّد والشّدّة ، والحدس مخالف لليقين بسرعة الفهم. وقد تختلف أيضا بالعدم والملكة ، مثل أنّ الشكّ يخالف الرأي ، فإنّ الشّك عدم اعتقاد من طرفي النقيض ، والرأي اعتقاد أحد طرفي النقيض ، ومثل التحريك والتسكين. وقد تختلف بالنسبة إلى أمور متضادّة ، مثل الإحساس