بالأبيض والإحساس بالاسود ، وإدراك الحلو وإدراك المرّ. وقد تختلف بالنسبة إلى أمور متغايرة بالذات ، بل متباينة كإدراك الصّورة وإدراك المعنى ، وكإدراك المعنى الجزئيّ وإدراك المعنى الكلّيّ. وقد تختلف بالحسّ مثل إدراك اللّون وإدراك الطّعم. وقد تختلف بالذّات مثل الإدراك والتحريك ، ومثل الشهوة والغضب. وقد تختلف مع بعض هذه الاختلافات بالتقدّم والتأخّر أيضا ، كالأفعال النّباتيّة والحيوانيّة والإنسانيّة ، كما قالوا من أنّ المنيّ في الرّحم يكون له أوّلا الأفعال النباتيّة ، ثمّ الحيوانيّة ، ثمّ الإنسانيّة. وقد تختلف مع ذلك بالاختلاف في الموضوع أيضا ، كهذه الأفعال أيضا ، فإنّ النباتيّة قد توجد في النبات دون الحيوانيّة ، وكذلك الحيوانيّة قد توجد في الحيوان دون الإنسانيّة ، إلى غير ذلك من وجوه الاختلاف التي تعلم بالتّتبع.
والذي يقتضيه التدبّر في كلام الحكماء ، وفي دليلهم على إثبات القوى الخاصّة والمشتركة ، أنّ الأفعال المختلفة بالشدّة والضّعف ، أو بالسرعة والبطء ، فإنّ مبدأها قوّة واحدة ، لكنّها تكون تارة أتمّ فعلا وتارة تكون أنقض فعلا ، إذ لو اقتضى ذلك قوى متعدّدة متغايرة ، وأن يكون للأنقص قوّة غير القوّة التي للأتمّ ، لوجب أن يكون عدد القوى بحسب عدد مراتب النقصان والزيادة التي تكاد لا تتناهى. كما أنّه لو كان اختلاف الأفعال بحسب التشخّصات التي لا تكاد تنتهي إلى حدّ يوجب اختلاف القوى وتغايرها ، لوجب أن يكون عدد القوى بحسب ذلك غير متناه ، بل القوّة الواحدة يعرض لها أن تفعل الفعل أشدّ أو أضعف أو أسرع أو ابطأ بحسب الاختيار ، أو بحسب مواتاة الآلة ، أو بحسب عوائق من خارج أن يكون وأن لا يكون ، أو أن يقلّ أو أن يكثر. كما أنّه يعرض للقوّة الواحدة اعتبارات وتشخّصات متعدّدة مع كون ذاتها واحدة.
وكذلك الأفعال المختلفة بالعدم والملكة ، فمبدؤها قوّة واحدة يعرض لها تارة أن تفعل ، وتارة أن لا تفعل ، مع كون شأنها أن تفعل لو لا العائق عنه.
وأيضا كلّ قوّة من حيث هي قوّة أوّلا وبالذات على فعل من الأفعال التي تقتضي قوى خاصّة ، وإن كانت قوّة على ذلك الفعل الذي تخصّه ، ويستحيل أن يكون مبدأ لفعل