آخر غير بالقصد الأوّل. لكنّه قد يجوز أن يكون مبدأ الأفعال كثيرة غيره بالقصد الثاني. وهذا مثل إنّ الإبصار إنّما هو قوّة أوّلا وبالذات على إدراك الكيفيّة التي هي اللّون ، واللّون يكون بياضا وسوادا وغيرهما. ومثل القوّة المتخيّلة التي شأنها أن تستثبت صور الأمور المادّيّة من حيث هي مادّيّة مجرّدة نوعا من التجريد غير بالغ ، ثمّ يعرض أن يكون ذلك لونا أو طعما أو عظما أو صوتا أو غير ذلك ، ومثل القوّة العاقلة التي شأنها أن تستثبت صور الأمور من حيث هي بريئة عن المادّة وعلائقها ، ثمّ يتّفق أن يكون ذلك شكلا أو عددا أو غير ذلك.
وكذلك قد يجوز أن يكون القوّة معدّة نحو فعل بعينه تحتاج إلى أمر آخر ، فينضمّ إليها حتّى يصير بها ما بالقوّة حاصلا بالفعل. فإن لم يكن ذلك الأمر لم تفعل ، فيكون مثل هذه القوّة تارة مبدأ للفعل بالفعل ، وتارة غير مبدأ له بالفعل ، بل بالقوّة. وهذا مثل القوّة المحرّكة ، فإنّها إذا صحّ الإجماع من القوّة الشوقيّة بسبب داع من التخيّل أو التعقّل إلى التحريك ، حرّكت لا محالة. فإن لم يصحّ ، لم تحرّكه. وليس يصدر عن قوّة محرّكة واحدة بآلة إلّا حركة واحدة أو الحركات الكثيرة لكثرة آلات الحركة التي هي العضل فينا ، وفي كلّ عضلة قوّة محرّكة جزئيّة ، لا تحرّك إلّا حركة بعينها. وقد تكون الواحدة أيضا يختلف تأثيرها بحسب القوابل المختلفة والآلات المختلفة.
هذا ، وأمّا الأفعال التي بينها ترتيب وتقدّم وتأخّر زمانيّ ، ولها اختلاف في الموضوع كالأفعال التي هي أقسام أوّليّة من جملة أفعال النّفس ، وهي ثلاثة أقسام : أفعال يشترك فيها الإنسان والحيوان والنبات ، كالتغذية والتنمية والتوليد ؛ وأفعال يشترك فيها الإنسان والحيوان كلّها أو جلّها ولا حظّ للنبات فيها ، مثل الإحساس والتخيّل والحركة الإراديّة ؛ وأفعال تختصّ بالإنسان ، مثل تعقّل المعقولات واستنباط الصنائع والرويّة في الكائنات والتفرقة بين الجميل والقبيح ، فلها قوى متعدّدة ، ولكلّ قسم منها قوّة على حدة ، إذ ليس يمكن أن يكون لهذه الأقسام الثلاثة الأوّليّة التي قلنا إنّها مختلفة بالتقدّم والتأخّر الزمانيّ وفي الموضوع ، ومع ذلك فهي مختلفة غاية الاختلاف ، قوّة واحدة هي